أنت في الصفحة : مقالات

مقالات
الاعتدال في المحبة وأثرها في تربية الطفل
الاعتدال في المحبة وأثرها في تربية الطفل
الكاتب : كرار محسن

تأريخ النشر : 2018-11-28 09:34:28

الاعتدال في المحبة وأثرها في تربية الطفل كرار محسن تهدف التربية الصحيحة الى إسعاد الطفل وتوفير السبل والجهود اللازمة من أجل بلوغ هذا الهدف السامي؛ إذ إن الحياة البشرية على طول مسارها تمر بصراعات مع المشاكل، ويواجه الفرد العديد من المنخفضات والمرتفعات والمصائب والانكسارات النفسية في أدوار مختلفة ولكن المربي القدير هو الذي يتمكّن من إعداد الطفل ويُدعمه بأقوى الدعامات التي تمكّنه من المقاومة والثبات أمام صعوبات الحياة من خلال أساليب عدة يتبعها أولياء الأمور لحماية الطفل كأكله ونومه وحركاته ورياضته وغيرها من الامور الطبيعية حتى يستطيع مقاومة البرد والحر والعطش والجوع والمرض لا سامح الله هذا في ما يخص الجانب الجسدي. أما يخص الجانب الروحي أو النفسي فإنّ روح الطفل تنمو قوية إذا أُحيط بعوامل كثيرة كالصحة الروحية والأخلاق والموازنة بين أسلوبي الحنان والعطف والشدة والخشونة وبهذا يستطيع الثبات أمام المصائب والانكسارات النفسية، والعكس صحيح تماماً فإنّ الاطفال الذين يتمتعون بقدر زائد من المحبة والرأفة ويُمنحون كل ما يطلبون من الآباء من دون شرط أو قيد هؤلاء سوف ينشؤون على حبِّ الاستبداد والاعجاب بالنفس والغرور وهي بحد ذاتها أمراض أو على الاقل عادات غير محمودة في الانسان ومغايرة تماماً للفطرة التي انفطر عليها الانسان من صفات التعقل والبساطة وروح التقبّل للرأي ومن الطبيعي جداً أن الاشخاص الذين يحملون أرواحاً ضعيفة ونفوساً منكسرة سينهزمون وبسرعة في معركة الحياة الشرسة، كما أن الأفراد الذين يعيشون تحت وطأة كم مفرط من الحنان يمتازون بتعاسة الى حد ما؛ لأنهم عاجزون عن حل مشكلاتهم الحياتية البسيطة وهو ما يدفعهم الى الانتحار في الازمات متضورين إلى النهاية الطبيعية والحتمية لفشلهم وانهزامهم في معركة الحياة . وقد حذّر الشَّارع الإسلاميّ المُقدّس من تقع على عاتقهم مهمة التربية من أولياء أمور ومربين آخرين من أسلوب الافراط في المحبة والعطف غير المبررين احياناً؛ إذ إن المربين الذين يظهرون الرأفة والحب لأطفالهم بشكل مفرط يدفعونهم بهذا السلوك الاهوج الى الغرور والاعجاب بالنفس، وهم ملومون عند أهل البيت (عليهم السلام) فهذا إمامنا الصادق (عليه السلام ) يقول (شر الآباء من دعاه البر الى الافراط وشر الابناء من دعاه التقصير الى العقوق) من هذا يمكن أن نستنتج أن العواقب الوخيمة التي يحصدها الاطفال نتيجة الافراط في المحبة خطرة جداً ومهددة لملكاتهم النفسية التي لو انكسرت يصعب اعادتها الى سابق عهدها، ولهذا يصف الإمام الصادق (عليه السلام) الآباء الذين يُفرطون في التظاهر بالحنان والعطف والحبّ لأطفالهم بأنهم شر الآباء، فالمربي الصالح الواعي هو من يسير على وفق ما تمليه عليه مقتضيات العقل والمنطق في الاستجابة لمطاليب الأبناء من عدمها كما يسعى جاهداً لتحقيق أعلى قدر من الراحة النفسية ومن ثم إسعاد الطفل وبالمقابل يمنعه من أي مطلب أو تصرف أو فعل يرى فيه مخالفة لمصلحته وبكل قوة وعنف لو لزم الأمر ذلك، وله أن يتبع أساليب متنوعة من أجل منع وقوعه في الخطأ أو المحظور، وقد حدث لذلك الافراط او الاكثار غير المبرر في المحبة نواتج عدّة منها: أن ينشأ الطفل متعنتاً فالطفل الذي قد تربى على الاستبداد في أسرته لسنوات، ويُقدّم له ما يريد على طبق من ذهب وبلا قيد أو شرط سيكون حتماً شرسًا ويتوقع من جميع الذين من حوله أن يُطيعوه وهذه هي قمة الغرور وهذه هي الآثار السيئة للرضا عن النفس في غير محلها، ولإمامنا الهادي (عليه السلام) قول في هذا الصدد وهو (مَنْ رَضِيَ عَنْ نَفْسِهِ كَثُرَ السَّاخِطُونَ عَلَيْه‏) (أعلام الدين في صفات المؤمنين، 311) وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول (إِيَّاكَ أَنْ تَرْضَى عَنْ نَفْسِكَ فَيَكْثُرَ السَّاخِطُ عَلَيْك‏)( تصنيف غرر الحكم ودرر الكلم، 308)، والنتيجة الأخرى هي العجب بالنفس فمن المعلوم أن من يمتلك عقلًا سليمًا راجحًا، ونظرة ثاقبة للحياة بالتأكيد سيعرف حدوده ولا يتجاوزها وما اعجاب الإنسان بنفسه إلا دليل واضح على عدم نضوج عقله، فلو كان عنده عقل كبير لما أُصيب بهذا المرض ولما جعله لنفسه مكاناً أرقى وأعلى من حجمه الطبيعي فعن أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول (رِضَا الْمَرْءِ عَنْ نَفْسِهِ بُرْهَانُ سَخَافَةِ عَقْلِه‏) ‏(تصنيف‏ غرر الحكم ودرر الكلم، 308)، والنتيجة الاخرى للافراط هي نشوء عقدة الحقارة لدى الطفل، وهو ما يجعلهم ضعفاء جدا ولا يستطيعون الوقوف بوجه أية صعوبة أو عقبة تواجههم، بعد ما وضّحنا نتائج الافراط لابدّ أن نعرف كيف نوازن المحبة ونوجهها نحو نجاح الطفل فمن دون أدنى شك لابد من توفير الحاجات الأساسية للطفل وله كذلك له رغبة فطرية نحو الحنان والعطف والمحبة ومن الواجب ان تُلبى هذه الرغبة وبحسب الاسلوب الصحيح من دون الإفراط لأن ذلك سيؤدي الى نتائج عكسية.
تعليقات القرآء (0 تعليق)
لاتوجد اي تعليقات حاليا.

ملاحظة: لطفا التعليق يخضع لمراجعة الادارة قبل النشر

جاري التحميل ...

حدث خطأ بالاتصال !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثوان ...

جاري التحميل ...

الاعتدال في المحبة وأثرها في تربية الطفل
Image 1
تاريخ النشر 2018-11-28

الاعتدال في المحبة وأثرها في تربية الطفل كرار محسن تهدف التربية الصحيحة الى إسعاد الطفل وتوفير السبل والجهود اللازمة من أجل بلوغ هذا الهدف السامي؛ إذ إن الحياة البشرية على طول مسارها تمر بصراعات مع المشاكل، ويواجه الفرد العديد من المنخفضات والمرتفعات والمصائب والانكسارات النفسية في أدوار مختلفة ولكن المربي القدير هو الذي يتمكّن من إعداد الطفل ويُدعمه بأقوى الدعامات التي تمكّنه من المقاومة والثبات أمام صعوبات الحياة من خلال أساليب عدة يتبعها أولياء الأمور لحماية الطفل كأكله ونومه وحركاته ورياضته وغيرها من الامور الطبيعية حتى يستطيع مقاومة البرد والحر والعطش والجوع والمرض لا سامح الله هذا في ما يخص الجانب الجسدي. أما يخص الجانب الروحي أو النفسي فإنّ روح الطفل تنمو قوية إذا أُحيط بعوامل كثيرة كالصحة الروحية والأخلاق والموازنة بين أسلوبي الحنان والعطف والشدة والخشونة وبهذا يستطيع الثبات أمام المصائب والانكسارات النفسية، والعكس صحيح تماماً فإنّ الاطفال الذين يتمتعون بقدر زائد من المحبة والرأفة ويُمنحون كل ما يطلبون من الآباء من دون شرط أو قيد هؤلاء سوف ينشؤون على حبِّ الاستبداد والاعجاب بالنفس والغرور وهي بحد ذاتها أمراض أو على الاقل عادات غير محمودة في الانسان ومغايرة تماماً للفطرة التي انفطر عليها الانسان من صفات التعقل والبساطة وروح التقبّل للرأي ومن الطبيعي جداً أن الاشخاص الذين يحملون أرواحاً ضعيفة ونفوساً منكسرة سينهزمون وبسرعة في معركة الحياة الشرسة، كما أن الأفراد الذين يعيشون تحت وطأة كم مفرط من الحنان يمتازون بتعاسة الى حد ما؛ لأنهم عاجزون عن حل مشكلاتهم الحياتية البسيطة وهو ما يدفعهم الى الانتحار في الازمات متضورين إلى النهاية الطبيعية والحتمية لفشلهم وانهزامهم في معركة الحياة . وقد حذّر الشَّارع الإسلاميّ المُقدّس من تقع على عاتقهم مهمة التربية من أولياء أمور ومربين آخرين من أسلوب الافراط في المحبة والعطف غير المبررين احياناً؛ إذ إن المربين الذين يظهرون الرأفة والحب لأطفالهم بشكل مفرط يدفعونهم بهذا السلوك الاهوج الى الغرور والاعجاب بالنفس، وهم ملومون عند أهل البيت (عليهم السلام) فهذا إمامنا الصادق (عليه السلام ) يقول (شر الآباء من دعاه البر الى الافراط وشر الابناء من دعاه التقصير الى العقوق) من هذا يمكن أن نستنتج أن العواقب الوخيمة التي يحصدها الاطفال نتيجة الافراط في المحبة خطرة جداً ومهددة لملكاتهم النفسية التي لو انكسرت يصعب اعادتها الى سابق عهدها، ولهذا يصف الإمام الصادق (عليه السلام) الآباء الذين يُفرطون في التظاهر بالحنان والعطف والحبّ لأطفالهم بأنهم شر الآباء، فالمربي الصالح الواعي هو من يسير على وفق ما تمليه عليه مقتضيات العقل والمنطق في الاستجابة لمطاليب الأبناء من عدمها كما يسعى جاهداً لتحقيق أعلى قدر من الراحة النفسية ومن ثم إسعاد الطفل وبالمقابل يمنعه من أي مطلب أو تصرف أو فعل يرى فيه مخالفة لمصلحته وبكل قوة وعنف لو لزم الأمر ذلك، وله أن يتبع أساليب متنوعة من أجل منع وقوعه في الخطأ أو المحظور، وقد حدث لذلك الافراط او الاكثار غير المبرر في المحبة نواتج عدّة منها: أن ينشأ الطفل متعنتاً فالطفل الذي قد تربى على الاستبداد في أسرته لسنوات، ويُقدّم له ما يريد على طبق من ذهب وبلا قيد أو شرط سيكون حتماً شرسًا ويتوقع من جميع الذين من حوله أن يُطيعوه وهذه هي قمة الغرور وهذه هي الآثار السيئة للرضا عن النفس في غير محلها، ولإمامنا الهادي (عليه السلام) قول في هذا الصدد وهو (مَنْ رَضِيَ عَنْ نَفْسِهِ كَثُرَ السَّاخِطُونَ عَلَيْه‏) (أعلام الدين في صفات المؤمنين، 311) وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول (إِيَّاكَ أَنْ تَرْضَى عَنْ نَفْسِكَ فَيَكْثُرَ السَّاخِطُ عَلَيْك‏)( تصنيف غرر الحكم ودرر الكلم، 308)، والنتيجة الأخرى هي العجب بالنفس فمن المعلوم أن من يمتلك عقلًا سليمًا راجحًا، ونظرة ثاقبة للحياة بالتأكيد سيعرف حدوده ولا يتجاوزها وما اعجاب الإنسان بنفسه إلا دليل واضح على عدم نضوج عقله، فلو كان عنده عقل كبير لما أُصيب بهذا المرض ولما جعله لنفسه مكاناً أرقى وأعلى من حجمه الطبيعي فعن أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول (رِضَا الْمَرْءِ عَنْ نَفْسِهِ بُرْهَانُ سَخَافَةِ عَقْلِه‏) ‏(تصنيف‏ غرر الحكم ودرر الكلم، 308)، والنتيجة الاخرى للافراط هي نشوء عقدة الحقارة لدى الطفل، وهو ما يجعلهم ضعفاء جدا ولا يستطيعون الوقوف بوجه أية صعوبة أو عقبة تواجههم، بعد ما وضّحنا نتائج الافراط لابدّ أن نعرف كيف نوازن المحبة ونوجهها نحو نجاح الطفل فمن دون أدنى شك لابد من توفير الحاجات الأساسية للطفل وله كذلك له رغبة فطرية نحو الحنان والعطف والمحبة ومن الواجب ان تُلبى هذه الرغبة وبحسب الاسلوب الصحيح من دون الإفراط لأن ذلك سيؤدي الى نتائج عكسية.

لا توجد اي صور متوفرة حاليا.