أنت في الصفحة : مقالات

مقالات
التَّقِيَّة بينَ الوُجوبِ والاتهامِ بالنِّفاقِ
التَّقِيَّة بينَ الوُجوبِ والاتهامِ بالنِّفاقِ
الكاتب : عزيز ملا هذال

تأريخ النشر : 2018-11-28 09:37:35

التَّقِيَّة بينَ الوُجوبِ والاتهامِ بالنِّفاقِ عزيز ملا هذال التَّقيَّة في اللُّغة من (اتقى) وأصل اتقى (إوتقى) فقلبت الواو ياءً للكسرة قبلها، ثمّ أُبدلت تاءً واُدغمت وقد تكرر ذكر الاتقاء في الحديث ومنه حديث الإمام عليّ (عليه السلام) (كُنَّا إِذَا احْمَرَّ الْبَأْسُ اتَّقَيْنَا بِرَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عيه وآله) فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنَّا أَقْرَبَ إِلَى الْعَدُوِّ مِنْه‏)، أي جعلناه وقاية لنا من العدو والتقية اسم مصدر لـ(اتقى) من وقي الشيء، يقيه إذا صانه، قال اللّه تعالى ﴿فَوقاهُ اللّهُ سيّئاتِ ما مَكَرُوا﴾، وقال سبحانه:﴿لا يَتّخِذِ المُؤمِنُونَ الكافرينَ أولِياءَ مِنْ دُونِ المؤمِنينَ ومَن يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ في شيْء إلاّ أن تَتَّقُوا مِنْهُم تُقاة﴾. قرأ الأكثر تقاة) إلّا يعقوب فقرأ (تقيّة) وكلاهما مصدر للفعل اتقى(. أمّا التَّقيَّة في الاصطلاح فقد عرّفها (الشَّيخ المُفيد) بقوله: كتمان الحقّ وستر الاعتقاد فيه، ومكاتمة المُخالفين وترك مظاهرتهم بما يعقب ضرراً في الدِّين أو الدُّنيا .وفُرض ذلك، إذا علم بالضرورة أو قوي في الظن، فمتى لم يعلم ضرراً بإظهار الحقّ ولا قوي في الظن ذلك لم يجب فرض التقية. وعرّفها (الشيخ الأنصاريّ) بقوله: التَّحفّظ عن ضرر الغير بموافقته في قول أو فعل مخالف للحقّ. ومن علماء العامّة عرّفها (السرخسي) بقوله: هي أن يقي الإنسان نفسه بما يظهره وإن كان ما يضمر خلافه. وقال (ابن حجر) التقية: الحذر من إظهار ما في النفس من معتقد وغيره للغير. وعرّفها (صاحب المنار) بأنّها ما يقال أو يفعل مخالفاً للحقّ لأجل توقّي الضرر. وعرّفها الشيخ مُحمّد أبو زهرة بأنّها أن يخفي الشخص ما يعتقد دفعاً لأذى الآخر لها وللفعل لذا تُعد التقية من الأمور التي تبنّاها الإسلام الحنيف وهي من المفاهيم الأصيلة التي تنسجم مع العقل الحكيم وروح الإسلام وكذلك المرونة التي اتصفت بها الشَّريعة المُقدّسة ومن الضرورات التي تسيّر العمل الإسلامي بلا معرقلات أو صعوبات فالتقية ليست أمرًا مستحدثًا، إنما ترجع أصولها الى أزمنة تاريخية قديمة وردت في القرآن الكريم والسُّنّة النَّبويّة وأحاديث أهل البيت (عليهم السلام) وقال بمشروعيتها علماؤنا. وإنّ شيعة أهل البيت (عليهم السلام) نتيجة الظروف السياسية والتعسفية التي لاحقتهم وعلى امتداد حقب زمنية طويلة قد عملوا بالتقية، ولاذوا بظلها كلما اشتدت بهم وطأة القهر والظلم، لكن المتصيدين في الماء العكر من المغرضين والحُكّام الجائرين والمتعصبين الطغاة سعوا إلى تشويه التقية وذر الرماد في العيون من خلال إيصال تصورات وهمية وادعاءات باطلة، ومحاولة غرسها في نفوس الناس وأذهانهم بدعوى أنّ التقية عند الشّيعة ضرب من النفاق والخداع والتمويه وأنّها تجعل منهم مُنظّمة سِرِّيَّة غايتها الالتفاف على الإسلام وتشويه صورته وتهديم أركانه لكن الحقيقة الجلية أنّ العمل بالتقية والحذر من الإفصاح عن الأفكار والمبادئ التي يتبناها لا يعني اطلاقاً أننا –كشيعة- لنا أسرار وربما طلاسم كما يصفها الأعداء نتعامل بها في ما بيننا ولا يمكن لغيرنا معرفتها أو الاطلاع عليها أو أن الشيعة لديهم نوايا عدوانية ضد بقية المسلمين، بل نقول: إنّ الأمر كلّه يتعلّق بإرهاب فكريّ وسياسيّ كافر وظالم مُورس ضدهم، وجرائم وحشية اُرتكبت بحقهم دفعتهم إلى اتخاذ التكتّم والاحتراز أسلوبًا لصيانة النفوس والأعراض والمحافظة عليها، فتجد الشيعة حين يتنفسون نسائم الحرية ينشطون في نشر أفكارهم ومعتقداتهم وتعاليمهم، وكيف أنّهم ساهموا مع إخوانهم من سائر المذاهب والطوائف في صنع حضارة الإسلام الخالدة فباعتقادنا أن العملَ بالتقية أمرٌ واجب لا مفر منه وأن تركها أو ترك العمل بها في كل الأحوال ليس له مبرر ولا معنى، فكثير من شعوب العالم التي تقبع تحت حكم أنظمة ظالمة استبدادية تتجنب الفصح عن توجهاتها وآرائها وأهدافها وما ذلك إلّا خوف من البطش والقتل والأذى الذي سيصيبها، ولو أنّها نطقت بما يخالف إرادة المستبدين لقضي عليها وأصبحت في خبر كان؛ لذا يأتي القرآن الكريم ليوجّه ويأمر بالتقية لحفظ الإنسان والعقيدة، يقول تعالى: ﴿وَقالَ رَجُلٌ مُؤمِنٌ مِنْ آلِ فِرعَوْنَ يكْتُمُ إِيمانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبّي اللّهُ وقَدْ جاءَكُمْ بِالبَيِّنات مِنْ رَبِّكُمْ وَإِن يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صادِقاً يُصِبكُمْ بَعْضُ الّذِي يَعِدُكُم إِنَّ اللّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذّاب﴾، هذه الدلائل والبراهين تدل على أن التقية مبدأ ألتزم به المسلمون عند شعورهم بالخطر أمام سلطات غاشمة وأن الاتهام المُوجّه للشيعة بالتفرد بتطبيق التقية يخالف ما جاء به الذكر الحكيم والسُّنة النَّبويّة وسيرة المسلمين عبر المراحل الزمنية المختلفة فالتقية سلاح المؤمن إذا ما صودرت حريته وحقه، وهو منطق لدفع الضرر عند الحاجة إليه.
تعليقات القرآء (0 تعليق)
لاتوجد اي تعليقات حاليا.

ملاحظة: لطفا التعليق يخضع لمراجعة الادارة قبل النشر

جاري التحميل ...

حدث خطأ بالاتصال !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثوان ...

جاري التحميل ...

التَّقِيَّة بينَ الوُجوبِ والاتهامِ بالنِّفاقِ
Image 1
تاريخ النشر 2018-11-28

التَّقِيَّة بينَ الوُجوبِ والاتهامِ بالنِّفاقِ عزيز ملا هذال التَّقيَّة في اللُّغة من (اتقى) وأصل اتقى (إوتقى) فقلبت الواو ياءً للكسرة قبلها، ثمّ أُبدلت تاءً واُدغمت وقد تكرر ذكر الاتقاء في الحديث ومنه حديث الإمام عليّ (عليه السلام) (كُنَّا إِذَا احْمَرَّ الْبَأْسُ اتَّقَيْنَا بِرَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عيه وآله) فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنَّا أَقْرَبَ إِلَى الْعَدُوِّ مِنْه‏)، أي جعلناه وقاية لنا من العدو والتقية اسم مصدر لـ(اتقى) من وقي الشيء، يقيه إذا صانه، قال اللّه تعالى ﴿فَوقاهُ اللّهُ سيّئاتِ ما مَكَرُوا﴾، وقال سبحانه:﴿لا يَتّخِذِ المُؤمِنُونَ الكافرينَ أولِياءَ مِنْ دُونِ المؤمِنينَ ومَن يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ في شيْء إلاّ أن تَتَّقُوا مِنْهُم تُقاة﴾. قرأ الأكثر تقاة) إلّا يعقوب فقرأ (تقيّة) وكلاهما مصدر للفعل اتقى(. أمّا التَّقيَّة في الاصطلاح فقد عرّفها (الشَّيخ المُفيد) بقوله: كتمان الحقّ وستر الاعتقاد فيه، ومكاتمة المُخالفين وترك مظاهرتهم بما يعقب ضرراً في الدِّين أو الدُّنيا .وفُرض ذلك، إذا علم بالضرورة أو قوي في الظن، فمتى لم يعلم ضرراً بإظهار الحقّ ولا قوي في الظن ذلك لم يجب فرض التقية. وعرّفها (الشيخ الأنصاريّ) بقوله: التَّحفّظ عن ضرر الغير بموافقته في قول أو فعل مخالف للحقّ. ومن علماء العامّة عرّفها (السرخسي) بقوله: هي أن يقي الإنسان نفسه بما يظهره وإن كان ما يضمر خلافه. وقال (ابن حجر) التقية: الحذر من إظهار ما في النفس من معتقد وغيره للغير. وعرّفها (صاحب المنار) بأنّها ما يقال أو يفعل مخالفاً للحقّ لأجل توقّي الضرر. وعرّفها الشيخ مُحمّد أبو زهرة بأنّها أن يخفي الشخص ما يعتقد دفعاً لأذى الآخر لها وللفعل لذا تُعد التقية من الأمور التي تبنّاها الإسلام الحنيف وهي من المفاهيم الأصيلة التي تنسجم مع العقل الحكيم وروح الإسلام وكذلك المرونة التي اتصفت بها الشَّريعة المُقدّسة ومن الضرورات التي تسيّر العمل الإسلامي بلا معرقلات أو صعوبات فالتقية ليست أمرًا مستحدثًا، إنما ترجع أصولها الى أزمنة تاريخية قديمة وردت في القرآن الكريم والسُّنّة النَّبويّة وأحاديث أهل البيت (عليهم السلام) وقال بمشروعيتها علماؤنا. وإنّ شيعة أهل البيت (عليهم السلام) نتيجة الظروف السياسية والتعسفية التي لاحقتهم وعلى امتداد حقب زمنية طويلة قد عملوا بالتقية، ولاذوا بظلها كلما اشتدت بهم وطأة القهر والظلم، لكن المتصيدين في الماء العكر من المغرضين والحُكّام الجائرين والمتعصبين الطغاة سعوا إلى تشويه التقية وذر الرماد في العيون من خلال إيصال تصورات وهمية وادعاءات باطلة، ومحاولة غرسها في نفوس الناس وأذهانهم بدعوى أنّ التقية عند الشّيعة ضرب من النفاق والخداع والتمويه وأنّها تجعل منهم مُنظّمة سِرِّيَّة غايتها الالتفاف على الإسلام وتشويه صورته وتهديم أركانه لكن الحقيقة الجلية أنّ العمل بالتقية والحذر من الإفصاح عن الأفكار والمبادئ التي يتبناها لا يعني اطلاقاً أننا –كشيعة- لنا أسرار وربما طلاسم كما يصفها الأعداء نتعامل بها في ما بيننا ولا يمكن لغيرنا معرفتها أو الاطلاع عليها أو أن الشيعة لديهم نوايا عدوانية ضد بقية المسلمين، بل نقول: إنّ الأمر كلّه يتعلّق بإرهاب فكريّ وسياسيّ كافر وظالم مُورس ضدهم، وجرائم وحشية اُرتكبت بحقهم دفعتهم إلى اتخاذ التكتّم والاحتراز أسلوبًا لصيانة النفوس والأعراض والمحافظة عليها، فتجد الشيعة حين يتنفسون نسائم الحرية ينشطون في نشر أفكارهم ومعتقداتهم وتعاليمهم، وكيف أنّهم ساهموا مع إخوانهم من سائر المذاهب والطوائف في صنع حضارة الإسلام الخالدة فباعتقادنا أن العملَ بالتقية أمرٌ واجب لا مفر منه وأن تركها أو ترك العمل بها في كل الأحوال ليس له مبرر ولا معنى، فكثير من شعوب العالم التي تقبع تحت حكم أنظمة ظالمة استبدادية تتجنب الفصح عن توجهاتها وآرائها وأهدافها وما ذلك إلّا خوف من البطش والقتل والأذى الذي سيصيبها، ولو أنّها نطقت بما يخالف إرادة المستبدين لقضي عليها وأصبحت في خبر كان؛ لذا يأتي القرآن الكريم ليوجّه ويأمر بالتقية لحفظ الإنسان والعقيدة، يقول تعالى: ﴿وَقالَ رَجُلٌ مُؤمِنٌ مِنْ آلِ فِرعَوْنَ يكْتُمُ إِيمانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبّي اللّهُ وقَدْ جاءَكُمْ بِالبَيِّنات مِنْ رَبِّكُمْ وَإِن يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صادِقاً يُصِبكُمْ بَعْضُ الّذِي يَعِدُكُم إِنَّ اللّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذّاب﴾، هذه الدلائل والبراهين تدل على أن التقية مبدأ ألتزم به المسلمون عند شعورهم بالخطر أمام سلطات غاشمة وأن الاتهام المُوجّه للشيعة بالتفرد بتطبيق التقية يخالف ما جاء به الذكر الحكيم والسُّنة النَّبويّة وسيرة المسلمين عبر المراحل الزمنية المختلفة فالتقية سلاح المؤمن إذا ما صودرت حريته وحقه، وهو منطق لدفع الضرر عند الحاجة إليه.

لا توجد اي صور متوفرة حاليا.