أنت في الصفحة : مقالات
تأريخ النشر : 2019-03-01 16:56:58
أنت في الصفحة : مقالات
جاري التحميل ...
نَجَاسَةُ المُشْرِك فِي المُصْطَلَح القُرآني، رُؤية تفسيريَّة في قوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ﴾ بقلم: الشيخ حارث الداحي انحرف العديد من بني البشر عن الخط التَّوحِيديّ الذي أسسته الأديان السّماويّة وعرّف حدودها الأنبياء والمرسلون، فوقع كثيرٌ من النّاس في شباك الخرافات وفخاخها والأديان المبتدعة الزائفة أو المحرفّة من الأديان الحقّة التي أدت إلى شلل العقول وانحطاط الأفكار. ورسالة التوحيد التي دعا إليها الأنبياء والرسل تمتاز بمبدأ نبذ الآلهة المتعددة، وهداية البشرية نحو الإله الواحد الأحد، وانطلاقا من هذا المنطلق المهم سعى القرآن الكريم إلى تنزيه الأفكار والعقول من الفكرة المشوهة التي تتبنّى الاعتقاد بالآلهة المتعددة أو ما يصطلح عليه قرآنياً الإشراك أو الشرك. ولا معنى للشرك إلّا أن يتَّخذ الإنسانُ مع الله معبوداً، يقول السيد الخوئي): أن الشرك إنما هو الخضوع لغير الله بما أن الخاضع عبد والمخضوع له رب)، قال تعالى: ﴿وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ﴾ . قال تعالى﴿ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ﴾، يقول الراغب في مفرداته: (أن النجاسة التامة هي حاصلة للمختص بالشرك) فإنّ النجاسة والنجس يطلقان على كلّ قذارة (والنَجس بفتح الجيم، عين النجاسة وبكسرها ما لا يكون طاهراً كالثوب النِجس هذا في اصطلاح الفقهاء فتتوسع -بحسب التعريف- دائرة شمول بعض الناس بكونهم عين النجاسة كما بيّنت الآية الكريمة ذلك وخصت المشركين بوصفهم (نجس). والنجاسة على نوعين: حسية، وباطنية. ورب قائل يقول أن الآية الكريمة لم يثبت منها أن المراد من (النَجَس) النجاسة الشرعية الحِسِّيَّة الاعتبارية لعدم الجزم بتشريعها بالمعنى المذكور ، وأيضاً قد يقال أن المراد من (نجس ) هو المعنى المرتكز في ذهن المتشرعة أي النجاسة في قبال الطهارة ، مما يكشف أنه نفس المعنى المراد في زمن نزول الآية الذي تناقله اللاحق من السابق حتى وصل لزماننا ؛ وقد يقال ، أن المعنى المذكور وإن كان مرتكزًا في ذهن المتشرعة ولكنه لم يثبت كونه المقصود والمراد من الآية الكريمة، بل المعنى هو النجاسة والقذارة المعنوية المناسب لإبعادهم ومنعهم من دخول المسجد الحرام، فلا يمكن الحكم بأنّ إطلاق كلمة نجس على المشركين تعني أن أجسامهم قذرة كقذارة البول والدم والخمر وما إلى ذلك، فهي قذارة باطنية سببها إشراكهم بالله وكفرهم، ومن هنا لا يمكن الاستدلال بهذه الآية على نجاسة المشركين، بل ينبغي البحث عن أدلة أُخرى والأمر متروك للفقهاء . ويرد القطب الراوندي بضده بما يقوله في (فقه القرآن) في خصوص النجس المذكور في الآية﴿ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ﴾(وليس لأحد أن يقول المراد به نجاسة الحكم لا نجاسة العين، لانّ حقيقة هذه اللفظة تقتضي نجاسة العين في الشرع، وإنما يحمل على الحكم تشبيها ومجازاً، والحقيقة أولى من المجاز باللفظ. على إنّا نحمله على الأمرين، لأنه لا مانع من ذلك)، وعلى كل الأحوال سواء أكانت النجاسة حسِّيَّة أم باطنية روحية وبأي من المعاني التي تشير الآية الكريمة لها﴿ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ﴾ والكلام في أهل الكتاب من النصارى واليهود هل هم من المشركين؟ وهل يحكم عليهم بالنجاسة أو لا؟ وللإجابة نقول: أطلقت في الآيات والأخبار لفظة الإشراك عليهما:﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾التوبة 30. (إن (المشرك) في الآية المباركة لا يعمّ أهل الكتاب فإنه وإنْ يعمّهم ببعض الاعتبار إلّا أن المعروف منه مقابل أهل الكتاب، وبتعبير آخر أهل الكتاب وإن يكونوا من المشركين حقيقة إلّا أن ظاهره مقابل أهل الكتاب؛ ولذا لا يمكن القول بأنّ المراد من المشرك مجرد من يعبد غير اللّه سبحانه أيضاً فإنّ هذا المعنى يعمّ المرائي في عبادته، كما ورد أنه مشرك)، روي عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام): كلّ رياء شرك) والخلاصة أن الآية الكريمة لا دلالة لها على أنهم من المشركين بالمعنى الأخص، فلا جزم بنجاسة المشركين العينية في الآيتين الكريمتين فضلاً عن نجاسة أهل الكتاب، فنحتاج لأثبات النجاسة للكتابي دليلًا آخر. نعم أن اليهود والنصارى قالوا بأنّ﴿ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ ﴾ وبأن ﴿ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ﴾ بل قالت النصارى بالثالوث ﴿ قَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ ﴾، وكل هذا كفر ووعد الله القائلين بذلك بسوء العقاب ﴿ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾، إذ إنهم حاكوا المشركين وضاهوهم أو(ضَاهئوهم) والمضاهاة المُضاهَأَةُ المُشاكَلَةُ وقال صاحب العين ضَاهَأْتُ الرجل وضَاهَيْتُه أَي شابَهْتُه، قال تعالى : ﴿ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ﴾، وقال تعالى : ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ ، يقول الفيض الكاشاني :(اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله بأن أطاعوهم في تحريم ما أحل الله، وتحليل ما حرم الله. وفي الكافي، والعياشي: عن الإمام الصادق عليه السلام): أَمَا واللَّهِ مَا دَعَوْهُمْ إِلَى عِبَادَةِ أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ دَعَوْهُمْ مَا أَجَابُوهُمْ وَلَكِنْ أَحَلُّوا لَهُمْ حَرَاماً وَحَرَّمُوا عَلَيْهِمْ حَلَالًا فَعَبَدُوهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُون( الكافي ج1، ص: 54 ومن المعروف أنّ اليهود والنصارى لم يقولوا بالخالقية لأحبارهم ورهبانهم، ولم يُصلّوا ولم يصوموا لهم، لكن لما كانوا مغالين لهم بالطاعة، بحيث كانوا يعتقدون بوجوب تنفيذ كل الأحكام التي تصدر منهم والانقياد والانصياع التام خاص بالله وبما يحكم به، وليس لأحد أن يحل أو يحرم للناس إلّا عن طريق الله تبارك وتعالى، وإيكال هذه المهمة لشخص آخر غير الله تعالى هو نوع من أنواع الشرك العملي وهذا النوع من الإشراك هو نجاسة فكرية.
ملاحظة: لطفا التعليق يخضع لمراجعة الادارة قبل النشر
جاري التحميل ...