أنت في الصفحة : مقالات
تأريخ النشر : 2021-02-12 16:27:58
أنت في الصفحة : مقالات
جاري التحميل ...
الحلقة الرابعة آية الولاية في السياق القرآني(2) تقدم في المقال السابق التعرض لآية الولاية من حيث السياق وتم استعراض جانبين من الإشكاليات المثارة حول سياق هذه الآية ، وكان الجانب الأول يحكي عن اعتراض بعضهم على اطلاق عنوان الصدقة على لفظ الزكاة في الآية، والجانب الثاني تناولنا فيه اعتراضهم على مفاد الركوع في الآية المباركة فقالوا بأن المراد به هو الخضوع وليس الركوع الحقيقي وتم الاجابة عليهما. أما في هذا المقال فإننا سنتناول جانباً ثالثاً يحاكي اعتراضهم على سياق الآيات القرآنية التي تسبق آية الولاية، فقالوا بأن سياق الآيات السابقة لهذه الآية يتحدث عن النصرة فلابد ان نفسر معنى الولاية في هذه الآية بالنصرة ايضاً. والآيات السابقة هي قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ * وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُواْ أَهَؤُلاء الَّذِينَ أَقْسَمُواْ بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُواْ خَاسِرِينَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ﴾ نلاحظ أن الآيتين موضوعتان بين آيات تنهى عن ولاية أهل الكتاب و الكفار، و لذلك رام جماعة من مفسري القوم إشراكهما مع ما قبلهما و ما بعدهما من حيث السياق، و جعل الجميع ذات سياق واحد يقصد به بيان وظيفة المؤمنين في أمر ولاية الأشخاص ولاية النصرة، والنهي عن ولاية اليهود والنصارى والكفار، وقصر الولاية في الله سبحانه و رسوله و المؤمنين الذين يقيمون الصلاة و يؤتون الزكاة و هم راكعون. وعليه فلا ينبغي تفسير معنى الولاية بغير ذلك. الجواب على هذه الشبهة: اولا : إن السياق القرآني هنا لا يصح الاحتجاج به؛ لأن الآيات لم تنزل دفعه واحدة فإن تلك الآيات وان كانت في سورة واحدة غير أن بعضها مكية وأخرى مدنية، وقد نزل بعضها في اول الهجرة وبعضها نزل آخر الهجرة، ولما كانت الآيات لم تنزل دفعه واحدة، فإن سياقها ليس سياقًا واحدًا فإن قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِين﴾ يحتمل انها نزلت قبل حجة الوداع لأن الرسول حارب بني قينقاع قبل حجة الوداع، بينما آية الولاية وما بعدها نزلت بعد حجة الوداع، وبما اننا لا نحرز نزولها دفعة واحدة فلا يكون لها سياق واحد ولا مضمون واحد. ثانيا: انما نأخذ بالسياق اذا لم يتغير معنى الآيات، والحال ان معاني الآيات قد تغيرت؛ فالآية الاولى تنهى عن تولي اليهود والنصارى بينما الآيات التي بعدها تتكلم عن حكم الارتداد كقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ فهي تتحدث عن موضوع يغاير موضوع الآية التي تليها وهي ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾. فمع اختلاف الاحكام والمضامين لا يصح البناء على السياق لاختلاف الآيات ومضامينها. ثالثا: إن علماء اللغة وعلماء الاصول يقولون بأن السياق يعد من القرائن العامة، ومناسبة النزول تعد من القرائن الخاصة، والقرينة الخاصة حاكمة على القرينة العامة، ولنفترض أن سياق الآيات المشار اليها تتحدث عن النصرة، لكن في المقابل لدينا رواية متواترة مُجمع عليها تقول بأن هذه الآية نزلت في الامام علي بن ابي طالب ومن الواضح بان النصرة لا تنحصر في علي بن ابي طالب، اذن معنى الولاية هنا ليست النصرة، فالرواية التي فسرت النزول بما صنعه علي بن ابي طالب قرينة خاصة على ان المراد بالولاية هو الإمامة فيرفع بها اليد عن القرينة العامة إِلّا وهي قرينة السياق. رابعا: إن سياق الآيات يدل على ان المنظور اليه في الآيات القرآنية هو النصرة، ولكن هذا السياق لا ينافي كون المراد في الآية الامامة، فالآية تقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ ...﴾و معنى أولياء هو الركون اليهم فمثلا يقال ان فلان ولي يعني يركن اليه ويستند اليه كما في قوله تعالى:﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّار ﴾ ، ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء﴾. أي لا تركنوا اليهم ولا تتخذوهم أولياء؛ لان الركون على قسمين هما: ركون مذموم، وركون مطلوب، فالمذموم هو ركون الى شخص لا ولاية له. واما الركون الى شخص له ولاية حقيقية فهذا ركون مطلوب، فان الله ينهانا عن الركون للظالم لان الظالم ليس له ولاية حقيقية وانما هو مغتصب، فالسياق متلائم مع تفسير الولاية بمعنى الامامة فكأن الآيات القرآنية هذه تقول يا ايها الذين امنوا لا تركنوا الى اليهود والنصارى فإنهم ليسوا الاولياء الحقيقيين بل عليكم ان تركنوا الى الاولياء الحقيقيين وهم ﴿اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾.
ملاحظة: لطفا التعليق يخضع لمراجعة الادارة قبل النشر
جاري التحميل ...