أنت في الصفحة : مقالات
تأريخ النشر : 2024-05-07 11:10:37
أنت في الصفحة : مقالات
جاري التحميل ...
مُحمّد سعيد العارضيّrnإنّ الصلاة أفضل وسيلة مؤثرة تربط بين الإنسان وخالقه، وإذا اُقيمت على وجهها الصحيح ملأت القلب بحبّ الله واستطاع الإنسان بتأثير أنوارها أن يتجنّب الذنوب والتلوّث بالمعصية، ولذلك ورد التأكيد في آيات القرآن الكريم عليها، ومن ذلك ما ورد في قوله تعالى: ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ﴾ [البقرة: 238].rnوقد يحسب البعض أنّ هذا الإصرار والتوكيد على الصلاة ضرب من التعسير، ولربّما منع ذلك الإنسان من القيام ببعض واجباته كالدّفاع عن نفسه في مثل ظروف القتال الصّعبة.rnفي حين أنّ هذا الكلام اشتباه كبير، فالإنسان في مثل هذه الحالات وغيرها أحوج إلى تقوية معنويّته من أي شيء آخر، لأنّه إذا ضعفت معنويّته واستولى عليه الخوف والفزع فإنّ هزيمته تكاد تكون حتميّة، فأيُّ عملٍ أفضل من الصّلاة والاتّصال بالله القادر على كلّ شيء وبيده كلّ شيء، وكان لنا خير شاهد عندما كان الإمام الحسين عليه السلام وأصحابه في يوم عاشوراء إذ في ظلّ تلك الظروف الصعبة والعسيرة، ترى الحسين عليه السلام ينطق بالرّضا والتسليم للظروف التي أحاطت به؛ لأنّه يعيش ظروفاً معنويّة عالية، إنّه موحّد لله عقيديّاً وعمليّاً، وعابد وساجد لله عزوجلّ، حيث تمثل الصلاة التي أقامها الإمام الحسين عليه السلام في يوم عاشوراء مع أصحابه معْلَماً هاماً من معالم النهضة الحسينية في دلالاتها ومعانيها، وعلى أي حال فإنّ أهميّة الصلاة وتأثيرها الإيجابي الكبير في حياة الانسان في الحضور والاستعداد الروحي بين يديّ الله عزّ وجلّ، فلا شكّ في أنّ الصّلاة إذا رُوعِيت معها آدابها الخاصّة وحضور القلب فيها فإنّ لها تأثيراً إيجابيّاً عظيماً في حياة الفرد والمجتمع، وبإمكانها أن تحل الكثير من المشاكل وتطهّر المجتمع من الكثير من المفاسد، وتكون للإنسان في الأزمات والشدائد خير معين وصديق، كما إن حكمة الصلاة وفلسفتها وأسرارها نجدها بحديث جامع منقول عن الإمام الرضا (عليه السلام) إذ سُئل عنها فأجاب بما يلي: «إن علة الصلاة أنّها إقرار بالربوبية لله عزّ وجلّ، وخلع الأنداد، وقيام بين يدي الجبار جل جلاله بالذل والمسكنة والخضوع والاعتراف، والطلب للإقالة من سالف الذنوب، ووضع الوجه على الأرض كل يوم إعظاماً لله عزّ وجلّ، وأن يكون ذاكراً غير ناس ولا بطر، ويكون خاشعاً متذللا، راغباً طالباً للزيادة في الدين والدنيا مع ما فيه من الإيجاب والمداومة على ذكر الله عزّوجلّ بالليل والنهار، لئلا ينسى العبد سيده ومديره وخالقه فيبطر ويطغى، ويكون في ذكره لربّه وقيامه بين يديه زاجراً له عن المعاصي ومانعاً له عن أنواع الفساد»( ).rnفوائد الصّلاة:rnبالرغم من أن فائدة الصلاة لا تخفى على أحد، لكن التدقيق في متون الروايات الإسلامية يدلنا على لطائف ودقائق أكثر في هذا المجال منها ونذكر هنا بعض الفوائد منها:rnأولاً: إنّ الصلاة وسيلة لغسل الذنوب والتطهر منها، وذريعة إلى مغفرة الله؛ لأنّ الصلاة ـكيف ما كانت تدعوا الإنسان إلى التوبة وإصلاح الماضي، ولذلك فإننا نقرأ في حديث عن النّبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) إذ سأل بعض أصحابه: «لو كان على باب دار أحدكم نهر واغتسل في كل يوم منه خمس مرات أكان يبقي في جسده من الدرن شيء؟ قلت لا، قال: فإنّ مثل الصلاة كمثل النهر الجاري كلما صلّى كفرت ما بينهما من الذنوب»( )، وعلى هذا فإنّ الجراح التي تخلفها الذنوب في روح الإنسان، وتكون غشاوة على قلبه، تلتئم بضماد الصلاة وينجلي بها صدأ القلوب!rnثانياً: إن الصلاة توقظ الإنسان من الغفلة، وأعظم مصيبة على السائرين في طريق الحقّ أن ينسوا الهدف من إيجادهم وخلقهم، ويغرقوا في الحياة المادية ولذائذها العابرة!rnثالثاً: إنّ الصلاة تحطّم الأنانية والكبر، لأنّ الإنسان في كل يوم وليلة يصلي سبع عشرة ركعة، وفي كل ركعة يضع جبهته على التراب تواضعاً لله، ويرى نفسه ذرة صغيرة أمام عظمة الخالق، بل يرى نفسه صفراً بالنسبة إلى ما لا نهاية له، ولأمير المؤمنين علي (عليه السلام) كلام معروف تتجسد فيه، فلسفة العبادات الإسلامية بعد الإيمان بالله، فبيّن أوّل العبادات وهي الصلاة مقرونة بهذا الهدف إذ قال: «فرض الله الإيمان تطهيراً من الشرك، والصلاة تنزيهاً عن الكبر»( ).rnرابعاً: الصلاة وسيلة لتربية الفضائل الخُلقية والتكامل المعنوي للإنسان، لأنّها تخرج الإنسان عن العالم المحدود وتدعوه إلى ملكوت السماوات، وتجعله مشاركاً للملائكة بصوته ودعائه وابتهاله، فيرى نفسه غير محتاج إلى واسطة إلى الله أو أن هناك «حاجباً» يمنعه... فيتحدث مع ربّه ويناجيه! كما إن تكرار هذا العمل في اليوم والليلة كما إن لهذا العمل له الأثر في تربية الفضائل الخُلقية في وجود الإنسان ولذلك نقرأ في تعبير الإمام علي أمير المؤمنين (عليه السلام) عن حكمتها قوله: «الصلاة قربان كل تقيّ»( ).rnخامساً: إن الصلاة تعطي القيمة والروح لسائر أعمال الإنسان; لأنّ الصلاة توقظ في الإنسان روح الإخلاص، فهي مجموعة من النية الخالصة والكلام الطاهر «الطيب» والأعمال الخالصة وتكرار هذه المجموعة في اليوم والليلة ينثر في روح الإنسان بذور سائر الأعمال الصالحة ويقوّي فيه روح الإخلاص، لذلك فإنّنا نقرأ في بعض ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في ضمن وصاياه المعروفة بعد أن ضربه ابن ملجم بالسيف ففلق هامته، أنّه قال: «الله الله في صلاتكم فإنها عمود دينكم»( ).rnوهناك الكثير من فوائد الصلاة بغض النظر عن صلاة الجماعة، وإذا أضفنا إليها خصوصية الجماعة، حيث أنّ روح الصلاة هي الجماعة، ففيها بركات لا تحصى ولا تعدّ، ولا مجال هنا لشرحها وبيانها، مضافاً الى أن الجميع يدرك خيراتها وفوائدها على الإجمال( ).rnrn مُحمّد سعيد العارضيّrnمعهد القُرآن الكريم فرع النّجف الأشرفrnتمّت يوم الجمعة 7 صفر الخير 1442 هـ - 25/ 9/ 2020 مrnrnrn
ملاحظة: لطفا التعليق يخضع لمراجعة الادارة قبل النشر
جاري التحميل ...