ثمّة مجموعة اُخرى من العلماء كانت تحرف الحقائق لتحقيق مصالحها، وإلى هؤلاء يشير القرآن: ﴿فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بَأَيْدِيِهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللهِ...﴾.
﴿فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ...﴾.
﴿وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ...﴾.
ومن العبارة الأخيرة نفهم الهدف الدنيء لهؤلاء، وكذلك عاقبتهم الوخيمة.
وقد أورد بعض المفسرين حديثاً عن الإِمام الصادق (عليه السلام) في تفسير هذه الآية حديث فيه ملاحظات هامة:
قال رجل للصادق (عليه السلام): إذا كان هؤلاء العوام من اليهود لا يعرفون الكتاب إلاّ بما يسمعونه من علمائهم، فكيف ذمّهم بتقليدهم والقبول من علمائهم؟ وهل عوام اليهود إلاّ كعوامنا، يقلّدون علماءهم - إلى أن قال - فقال (عليه السلام) : «بين عوامنا وعوام اليهود فرق من جهة، وتسوية من جهة، أمّا من حيث الاستواء فإنّ اللّه ذمّ عوامنا بتقليدهم علماءهم، كما ذمّ عوامهم، وأمّا من حيث افترقوا فإنّ عوام اليهود كانوا قدعرفوا علماءهم بالكذب الصراح، وأكل الحرام، والرشاء وتغيير الأحكام، واضطرّوا بقلوبهم إلى أنّ من فعل ذلك فهو فاسق، لايجوز أن يصدّق على الله، ولا على الوسائط بين الخلق وبين الله، فلذلك ذمّهم، وكذلك عوامنا إذا عرفوا من علمائهم الفسق الظاهر، والعصبيّة الشديدة، والتكالب على الدُنيا وحرامها، فمن قلّد مثل هؤلاء فهو مثل اليهود الذين ذمّهم الله بالتقليد لفسقة علمائهم، فأمّا من كان من الفقهاء صائناً لنفسه، حافظاً لدينه، مخالفاً على هواه، مطيعاً لأمر مولاه، فللعوام أن يقلّدوه، وذلك لايكون إلاّ بعض فقهاء الشيعة لا كلّهم، فإنَّ من ركب من القبائح والفواحش مراكب علماء العامة، فلا تقبلوا منهم عنّا شيئاً، ولاكرامة، وإنمّا كثر التخليط فيما يتحمّل عنّا أهل البيت لذلك، لأنَّ الفسقة يتحمّلون عنّا فيحرّفونه بأسره لجهلهم، ويضعون الأشياء على غير وجهها لقلّة معرفتهم وآخرون يتعمّدون الكذب علينا».
واضح أن هذا الحديث لا يدور حول التقليد التعبدي في الأحكام، بل يشير إلى اتباع العلماء من أجل تعلم أُصول الدين، الحديث يتناول معرفة النّبي، وهذه المعرفة من أُصول الدين، ولا يجوز فيها التقليد التعبدي.,
﴿فَوَيْلٌ﴾ تلهف شدة من العذاب في أسوء بقاع جهنم ﴿لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ﴾ يحرفون من أحكام التوراة ﴿ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً﴾ ليأخذوا به عرضا من الدنيا فإنه قليل وإن جل ﴿فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ﴾ من المحرف ﴿وَوَيْلٌ لَّهُمْ﴾ ثانية مضافة إلى الأولى ﴿مِّمَّا يَكْسِبُونَ﴾ من المعاصي والرشاء.