الآية التي بعدها فيها، إِشارة إِلى خسران الذين ينكرون المعاد، فتقول: (قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله)، إِنّ المقصود بلقاء الله هو - كما قلنا من قبل - اللقاء المعنوي والإِيمان الشهودي (الشهود الباطني)، أو هو لقاء مشاهد يوم القيامة والحساب والجزاء.
ثمّ تبيّن الآية أنّ هذا الإِنكار لن يدوم، بل سيستمر حتى قيام يوم القيامة، حين يرون أنفسهم فجأة أمام مشاهده الرهيبة، ويشهدون بأعينهم نتائج أعمالهم، عندئذ ترتفع أصواتهم بالندم على ما قصروا في حق هذا اليوم: (حتى إِذا جاءتهم الساعة بغتة قالوا يا حسرتنا على ما فرطنا فيها).
و"الساعة" هي يوم القيامة، و"بغتة" تعني فجأة وعلى حين غرة، إِذ تقوم القيامة دون أن يعلم بموعدها أحد سوى الله تعالى، وسبب إِطلاق "الساعة" على يوم القيامة إمّا لأنّ حساب الناس يجري سريعاً فيها، أو للإِشارة إِلى فجائية حدوث ذلك، حيث ينتقل الناس بسرعة خاطفة من عالم البرزخ إِلى عالم القيامة.
و"التحسر" هو التأسف على شيء، غير أنّ العرب عند تأثرهم الشديد يخاطبون "الحسرة" فيقولون: "يا حسرتنا"، فكأنّهم يجسدونها أمامهم ويخاطبونها.
ثمّ يقول القرآن الكريم (وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم).
"الأوزار" جمع "وزر" وهو الحمل الثقيل، وتعني الأوزار هنا الذنوب، ويمكن أن تتخذ هذه الآية دليلا على تجسد الأعمال، لأنّها تقول إِنّهم يحملون ذنوبهم على ظهورهم، ويمكن أيضاً أن يكون الاستعمال مجازياً كناية عن ثقل حمل المسؤولية، إِذ أنّ المسؤوليات تشبه دائماً بالحمل الثقيل.
وفي آخر الآية يقول الله تعالى: (ألا ساء ما يزرون).
في هذه الآية جرى الكلام على خسران الذين ينكرون المعاد، والدليل على هذا الخسران واضح، فالإِيمان بالمعاد، فضلا عن كونه يعد الإِنسان لحياة سعيدة خالدة، ويحثه على تحصيل الكمالات العلمية والعملية، فان له تأثيراً عميقاً على وقاية الإِنسان من التلوث بالذنوب والآثام، وهذا ما سوف نتناوله - إِن شاء الله - عند بحث الإِيمان بالمعاد وأثره البناء في الفرد والمجتمع.
﴿قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَاء اللّهِ﴾ بالبعث وما يتبعه ﴿حَتَّى إِذَا جَاءتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً﴾ فجأة حال أو مصدر ﴿قَالُواْ يَا حَسْرَتَنَا﴾ احضري فهذا أو إنك ﴿عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا﴾ في الدنيا أو في الساعة أو في شأنها ﴿وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ﴾ كما اعتيد حمل الأثقال على الظهور ﴿أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ﴾ بئس شيئا يحملونه حملهم.