الآية التّالية فيها إِستثناء واحد، فإِذا اشترك بعض المتقين في جلسات هؤلاء المشركين لكي ينهوهم عن المنكر على أمل أن يؤدي ذلك إِلى انصراف أُولئك عن الاثم، فلا مانع من ذلك، وأنّ آثام أُولئك لا تسجل على هؤلاء، لأنّ قصدهم هو الخدمة والقيام بالواجب: (وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء ولكن ذكرى لعلّهم يتقون).
وهنالك تفسير آخر لهذه الآية، والذي قلناه أكثر إِنسجاماً مع ظاهر الآية ومع سبب النّزول.
وينبغي أن نعلم - في الوقت نفسه - إِنّ الذين لهم أن يستفيدوا من هذا الإِستثناء هم الذين تنطبق عليهم شروط الآية، فيكونون متميزين بالتقوى، وبعدم التأثر بهم، وبالقدرة على التأثير فيهم.
سبق في تفسير الآية (140) من سورة النساء أن تطرقنا إِلى هذا الموضوع وذكرنا مسائل أُخرى أيضاً.
1- "الخوض" كما يقول الراغب الأصفهاني في "مفرداته" هو الدخول في الماء والمرور فيه، ثمّ إستعير للورود في أُمور أُخرى، وأكثر ما ترد في القرآن بشأن الدخول في موضوع باطل ما أساس له.
غني عن القول بأن (لا تقعد) لا تعني النهي عن مجرّد الجلوس مع هؤلاء، بل تعني النهي عن معاشرتهم في جميع حالات الجلوس والوقوف أو المسير.
﴿وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾ ما يلزمهم بمجالسة الخائضين ﴿مِنْ حِسَابِهِم﴾ مما يحاسبون عليه من القبائح ﴿مِّن شَيْءٍ وَلَكِن ذِكْرَى﴾ عليهم أن يذكروهم ذكرى ويبصرونهم ما استطاعوا ﴿لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ نزلت لما قال المسلمون إن كان كلما استهزأ المشركون قمنا وتركناهم فلا ندخل إذا المسجد الحرام.