لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
الآية الأخيرة تشير إلى تخبط بني إسرائيل وتناقضهم في مواقفهم، والمصير الطبيعي الذي ينتظرهم نتيجة لذلك: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الحَياةَ الدُّنْيَا بالآخِرَةِ فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنْصَرُونَ﴾. بحوث 1 - إشارة تأريخية: في الآيات إشارة لتناقض بني إسرائيل في مواقف بعضهم من البعض الآخر. قيل في ذلك: «كان بنو إسرائيل إذا استضعف قوم قوماً أخرجوهم من ديارهم، وقد أُخذ عليهم الميثاق أن لا يسفكوا دماءهم ولا يخرجوا أنفسهم من ديارهم، وأُخذ عليهم الميثاق إن أسر بعضهم بعضاً أن يفادوهم. فأخرجوهم من ديارهم ثم فادوهم، فآمنوا بالفداء ففدوا وكفروا بالإخراج من الديار فأخرجوهم». وروي في المعنيّ بهذه الآية: «أن قريظة والنضير كانا أخوين كالأوس والخزرج فافترقوا فكانت النضير مع الخزرج وكانت قريظة مع الأوس، فإذا اقتتلوا عاونت كل فرقة حلفاءها، فإذا وضعت الحرب أوزارها فدوا أُسراها تصديقاً لما في التوراة، والأوس والخزرج أهل شرك يعبدون الأوثان لا يعرفون جنّة ولا ناراً ولا قيامة ولا كتاباً، فأنبأ الله تعالى اليهود بما فعلوه». وهكذا سقط اليهود وغيرهم من أهل العناد في مثل هذه التناقضات في حياتهم لانحرافهم عن خط العبودية التّامة لله تعالى. 2 - الإِزدواجية في الإِلتزام: مرّ بنا أن القرآن الكريم يوبّخ اليهود بشدّة على إلتزامهم ببعض الأحكام الإلهية وتركهم لبعضها الآخر، وينذرهم بخزي الدنيا وبعذاب الآخرة وخاصة في عملهم بالاحكام الجزئية، ومخالفتهم لأهم الاحكام الشرعية. أي قانون حرمة إراقة الدماء، وتهجير من يشاركهم في العقيدة من ديارهم وأوطانهم. هؤلاء في الواقع التزموا بالاحكام التي تنسجم مع مصالحهم الدنيوية من الأحكام، أما حين تقتضي مصلحتهم أن يريقوا دم الآخرين ويستضعفوهم، فلا يألون جهداً في ارتكاب كل ذلك مخالفين بذلك أهم أحكام ربّ العالمين. إلتزامهم بفداء الأسرى لاينطلق من روح تعبدّية، بل من روح مصلحية ترى أنّ من مصلحتها أن تفدي الأسرى اليوم، كي تُفدى هي حين تقع بالأسر في المستقبل. العمل بالأحكام المنسجمة مع مصالح الإنسان الدنيوية، ليس دلالة على طاعة الله وعبادته، لأن الدافع لم يكن الإستجابة إلى دعوة الله بقدر ما كان استجابة لنداء الذات والمصالح الذاتية. روح الطاعة تبرز لدى إلتزام الإنسان بما لا ينسجم مع مصالحه الآنية الذاتية. وهذا هو المعيار الذي يميّز به المؤمن عن العاصي، فالإزدواجية في الإلتزام بأحكام الله تعالى، تدلّ على روح العصيان، بل أحياناً على عدم الإيمان وبعبارة اُخرى، إن الايمان يظهر أثره فيما لو كان القانون على خلاف مصالح الفرد ومع ذلك يلتزم به الفرد، وإلاّ فان العمل بالاحكام الشرعية، اذا اتفقت مع المصالح الشخصيّة لايعتبر افتخاراً ولا علامة على الايمان ولهذا يمكن تمييز المؤمنين عن المنافقين من هذا الطريق فالمؤمنون يلتزمون بجميع الاحكام، والمنافقون يذهبون إلى التبعيض. ومصير هذه الاُمّة - بالتعبير القرآني - الخزي في الدنيا وأشدّ العذاب في الآخرة... ولا خزي أكبر من سقوط هذه الاُمّة السائرة على خط الإِزدواجية بيد الغزاة الأجانب، وهبوطها في مستنقع الذلة على الساحة العالمية. هذه السنّة الكونية لا تقتصر على بني إسرائيل، بل هي سارية في كل زمان ومكان، وتشملنا نحن المسلمين أيضاً. وما أكثر الذين يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض في مجتمعاتنا اليوم! وما أشقى هؤلاء في الدنيا والآخرة! 3 - منهج البقاء وعوامل السقوط: الآيات الكريمة في معرض حديثها عن بني إسرائيل تطرح سنناً كونية في بقاء الشعوب وانحطاطها. أهم عامل لبقاء الاُمّة ورفعتها وعزتها في المنظار القرآني، اعتماد الاُمّة على قوّة الله وقدرته الأبدية وخضوعها له وحده دون سواه وخشيته وحده دون غيره: ﴿لاَ تَعْبُدُونَ إلاَّ الله﴾. ومن عوامل البقاء أيضاً التلاحم الإجتماعي بين أفراد الاُمّة، وهذا ما يعبّر عنه القرآن بالإحسان إلى الوالدين باعتبارهما أقرب أفراد المجتمع إلى الإنسان، ثم الإحسان إلى ذي القربى، ثم بعد ذلك إلى عامة أفراد المجتمع من الفقراء والمساكين وغيرهم من النّاس. إزالة التمييز الطبقي ورفع الهوة السحيقة الفاصلة بين الأغنياء والفقراء في المجتمع، عن طريق إيتاء الزكاة، ومن عوامل بقاء المجتمع أيضاً ورفعته. أما عوامل السقوط فهي عبارة عن تفكّك البنية الإجتماعية، ونشوب النزاعات والحروب الداخلية بين أفراد المجتمع، واستضعاف بعضهم بعضاً. (لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم...). ثم الإِزدواجية في الإِلتزام بأحكام الله تعالى عامل هام من عوامل السقوط، يدفع بالأفراد لأن يتحركوا حول محور مصالحهم الآنيّة الذاتية الضيقة، فيلتزموا بالقوانين التي تحفظ لهم منافعهم الشخصية، ويتركوا القوانين النافعة للمجتمع (أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض). هذه هي الاسباب والعلل في تكامل وانحطاط الامم والحضارات في منظور القرآن. ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآَخِرَةِ﴾ ابتاعوا حظوظ الدنيا الفانية بنعيم الآخرة الباقية ﴿فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ﴾ بنقص الجزية في الدنيا وعقوبة الآخرة ﴿وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ﴾ بالدفع عنهم.