وهذا هو ما تلخصه الآية إذ تقول: (سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب)أي أننا كما ألقينا الرعب في قلوب الكفّار في أعقاب معركة "أُحد" ورأيتم نموذجاً منه بأم أعينكم، سنلقي مثله في قلوب الذين كفروا فيما بعد، ولهذا ينبغي أن تطمئنوا إلى المستقبل، ولا تأخذكم في الله لومة لائم، ولا تهزكم ولا تزعزعكم شماتة شامت ووسوسة موسوس.
والجدير بالذكر أن الآية تعلل نشأة هذا الرعب الواقع في قلوب الكفّار كالتالي: (بما أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً).
لقد كانوا قوماً أهل خرافة، لا يتبعون دليلاً، ولا يلتمسون برهاناً، ولهذا كثيراً ما كانت المحقرات من الأشياء تعظم في عيونهم وأفكارهم، فيتخذون الحجر والمدر والخشب معبودات وآلهة لهم، يضعفون أمام الحوادث ضعفاً عجيباً ويستكينون لها استكانة مذلة لأنهم سرعان ما يخطئون في حساباتهم وتقديراتهم، فإذا ما حدث حادث طفيف- في حياتهم- كما لو سمعوا مثلاً بأن المسلمين المهزومين عادوا مع جراحاتهم وجرحاهم إلى ساحة المعركة لملاحقة الأعداء، عظم ذلك في عيونهم وكبر فى نظرهم، وحسبوا له أعظم حساب، وخافوا من ذلك أشد الخوف، وهي بعينها الحالة التي يعاني منها المستكبرون في عالمنا الراهن وعصرنا الحاضر، حيث إننا نشاهد كيف يخافون من أصغر حادث، فيتصورون الذرة جبلاً والحبة قبة، وذلك لأنهم لا يركنون إلى ركن وثيق، ولم يختاروا لأنفسهم كهفاً حصيناً، من إيمان صحيح وعقيدة مستقيمة.
لقد ظلم هؤلاء الكافرون أنفسهم وظلموا مجتمعاتهم فـ: (مأواهم النار وبئس مثوى الظالمين) وما أسوأه من مثوى ومآل.
الإنتصار بسبب خوف العدو:
تفيد روايات كثيرة أن النبي (ص) كان يمتاز في جملة ما يمتاز به أنه كان ينتصر على أعدائه بسبب خوفهم وإلقاء الرعب في قلوبهم(1).
إن هذا الموضوع يشير- في نفس الوقت- إلى أحد عوامل الإنتصار في المعارك والحروب وخاصة في مثل هذا اليوم الذي تعتبر فيه معنويات المقاتلين من أهم الأُمور العسكرية، ومن أهم القضايا في شؤون التكتيك الحربي.
ولهذا فإن لمعنوية المقاتلين المرتفعة من التأثير في تحقيق النصر ما ليس للسلاح من حيث الكمية والكيفية.
من هنا بالغ الإسلام في رفع معنويات المقاتلين، فمضى يقوي فيهم روح الإيمان والحبّ للجهاد، والإعتزاز بالشهادة، والإتكال على الله القادر المنان وبهذا بلغ بالمجاهدين المسلمين أعلى قمم الاستقامة والثبات، والشجاعة والبسالة في حين كان المشركون وعبدة الأوثان، الذين لم يكونوا يعتقدون إلاّ بأصنام صم بكم لا تضر ولا تنفع، ولا يؤمنون بمعاد وقيامة وحياة بعد الموت، كانوا يعانون من نفسية ضعيفة منهزمة مهزوزة، فكان هذا التفاوت بين النفسيتين هو أحد العوامل المؤثرة لإنتصار المسلمين عليهم.
﴿سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ﴾ قذف في قلوبهم الخوف يوم أحد فرجعوا من غير سبب ﴿بِمَا أَشْرَكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا﴾ بسبب إشراكهم آلهة ليس على إشراكها حجة ﴿وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ﴾ أي مثواهم وعدل إلى الظاهر للتعليل.