التّفسير
الذنب ينتج ذنباً آخر:
هذه الآية ناظرة أيضاً إلى وقائع معركة "أُحد"، وتقرر حقيقة أُخرى للمسلمين، وهي أن الذنوب والإنحرافات التي تصدر من الإنسان بسبب من وساوس الشيطان، تفرز آثاماً وذنوباً اُخرى بسبب وجود القابلية الحاصلة في النفس الإنسانية نتيجة الذنوب السابقة، والتي تمهد لذنوب مماثلة وآثام اُخرى، وإلاّ فإن القلوب والنفوس التي خلت وطهرت من آثار الذنوب السالفة لا تؤثر فيها الوساوس الشيطانية، ولا تتأثر بها، ولهذا قال سبحانه: (إن الذين تولوا منكم يوم إلتقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم ان الله غفور حليم).
وهكذا يعلمهم القرآن أن عليهم أن يضاعفوا الجهد في تربية نفوسهم وتطهير قلوبهم لتحقيق الإنتصار في المستقبل.
ويمكن أن يكون المقصود من الذنب الذي كسبوا هو حب الدنيا وجمع الغنائم، ومخالفة الرسول، وتجاهل أوامره في بحبوحة المعركة، أو ذنوب أُخرى كانوا قد إقترفوها قبل معركة "أُحد" أضعفت من طاقاتهم الإيمانية، وأضرت بالجانب المعنوي فيهم.
وقد نقل العلاّمة الطبرسي عن أبي القاسم البلخي أنه لم يبق مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)يوم "أُحد" إلاّ ثلاث عشرة نفساً (فيكون عددهم مع النبي 14) خمسة من المهاجرين وثمانية من الأنصار وقد إختلف في الجميع إلاّ في علي وطلحة فانهما ثبتا ولم يفرا بإتفاق الجميع.
﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْاْ﴾ انهزموا ﴿مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ﴾ يوم أحد ﴿إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ﴾ حملهم على الزلة ﴿الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ﴾ أي كان انهزامهم بسبب ترك المركز والميل إلى الغنيمة بتسويل الشيطان أو بسبب ذنوب قدموها والذنب يجر إلى الذنب كالطاعة ﴿وَلَقَدْ عَفَا اللّهُ عَنْهُمْ﴾ لتوبتهم ﴿إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ﴾ للذنوب ﴿حَلِيمٌ﴾ لا يعجل العقاب.