التّفسير
استغلال المنافقين:
كانت حادثة "أُحد" تحظى بأهمية كبيرة من وجهة نظر المسلمين وذلك من جهتين:
أولاً: لأنها كانت تعتبر خير مرآة تعكس حقيقة المسلمين في تلك المرحلة، وتساعدهم على رؤية نقاط ضعفهم، فإصلاحها وإزالتها، ولهذا السبب ركز القرآن على أحداث هذه الواقعة وملابساتها وقضاياها ذلك التركيز الكبير وأولاها ذلكم الإهتمام البالغ، فنحن نرى كيف نستفيد منها دروساً وعبراً كثيرة وكبيرة، في الآيات القادمة كما في الآيات السابقة.
ومن جهة أُخرى هيأت أحداث هذه الواقعة أرضية وفرصة مناسبة للمنافقين بأن يقوموا بمحاولاتهم التشويشية، ومن أجل هذا نزلت آيات عديدة لإبطال مفعول هذه المحاولات وتفشيل هذه المساعي الماكرة، من جملتها الآيات المذكورة أعلاه.
فهذه الآيات تتوجه بالخطاب أولاً إلى المؤمنين بهدف تحطيم جهود المنافقين ومحاولاتهم التخريبية، وتحذير المسلمين منهم فتقول: (يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لاخوانهم إذا ضربوا في الأرض، أو كانوا غزى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا).
هذه الكلمات وإن كانوا يطلقونها في ستار من التعاطف وتحت قناع الإشفاق، إلاّ أنهم لم يكونوا- في الحقيقة- يقصدون منها إلاّ تسميم روحية المسلمين، وإضعاف معنوياتهم، وزعزعة إيمانهم، فينبغي ألا تقعوا تحت تأثيرها، وتكرروا نظائرها من العبارات.
(ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم).
أنكم أيها المؤمنون إذا وقعتم تحت تأثير هذه الكلمات المضلة الغاوية، وكررتم نظائرها ستضعف روحيتكم أيضاً، وستمتنعون أيضاً عن الخروج إلى ميادين الجهاد والسفر والرحيل من أجل الله وفي سبيله، وحينئذ سيتحقق للمنافقين ما يصبون إليه، ولكن لا تفعلوا ذلك، وتقدموا إلى سوح الجهاد وميادين القتال بمعنوية عالية، وعزم أكيد ودون تردد ولا كلل، ليجعل الله ذلك حسرة في قلوب المنافقين المخذلين، أبداً.
ثمّ إن القرآن الكريم يرّد على خبث المنافقين وتسويلاتهم وتشويشاتهم بثلاث أجوبة منطقية هي:
1- إن الموت والحياة بيد الله على كلّ حال، وأن الخروج والحضور في ميدان القتال لا يغير من هذا الواقع شيئاً، وأن الله يعلم بأعمال عباده جميعها: (والله يحيي ويميت والله بما تعملون بصير).
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ كَفَرُواْ﴾ أي المنافقين ﴿وَقَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ﴾ لأجلهم وإخوتهم في النسب أو المذهب ﴿إِذَا ضَرَبُواْ﴾ سافروا ﴿فِي الأَرْضِ﴾ لتجارة ونحوها ﴿أَوْ كَانُواْ غُزًّى﴾ جمع غاز ﴿لَّوْ كَانُواْ عِندَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ﴾ مقول قالوا ﴿لِيَجْعَلَ اللّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ﴾ متعلق بقالوا واللام للعاقبة ﴿وَاللّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ﴾ لا الحضر والسفر ﴿وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾.