التّفسير
دراسةأُخرى لمعركة أُحد:
هذه الآية تتضمن دراسة أُخرى وتقييماً آخر لمعركة أُحد وتوضيح ذلك: إن بعض المسلمين كانوا يعانون من حزن عميق وقلق بالغ لنتائج أُحد، وكانوا لا يكتمون حزنهم وقلقهم هذا بل طالما كرروه وأظهروه على ألسنتهم، فذكرهم الله- في هذه الآية- بثلاث نقاط هي:
1- يجب أن لا تقلقوا لنتائج معركة معيَّنة، بل عليكم أن تحاسبوا كلّ قضايا المجابهة مع العدو، وتزنوا المسألة من جميع أطرافها فلو أنه أصابتكم على أيدي أعدائكم في هذه المعركة مصيبة فإنكم قد أصبتم أعداءكم ضعفها في معركة اُخرى (معركة بدر) لأنهم قتلوا من المسلمين في معركة "أُحد" سبعين ولم يأسروا أحداً بينما قتل المسلمون من المشركين في معركة "بدر" سبعين وأسروا سبعين (أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها).
وعبارة (قد أصبتم مثليها) هي في الحقيقة بمثابة إجابة مقدمة على سؤال.
2- أنتم تقولون.
هذه المصيبة كيف أصابتنا؟ (قلتم أنى هذا) ولكن "قل" أيها النبي: (هو من عند أنفسكم) أي هو نابع من مواقفكم في تلك المعركة، فابحثوا عن أسباب الهزيمة في أنفسكم.
فأنتم الذين خالفتم أمر الرسول، وتركتم الجبل ذلك الموقع الخطير.
وأنتم الذين لم تحسموا المعركة، ولم تذهبوا إلى نهايتها، بل انصرفتم إلى جمع الغنائم بعد إنتصار محدود.
وأنتم الذين تركتم ساحة المعركة وفررتم ولم تصمدوا عندما باغتكم العدو من الخلف، ومن ناحية الجبل الذي تركتم حراسته.
فكلّ هذه العيوب والذنوب، وكلّ هذا الوهن هو الذي سبب تلك الهزيمة النكراء، وأدى إلى قتل تلك المجموعة الكبيرة من المسلمين.
3- يجب أن لا تقلقوا للمستقبل لأن الله قادر على كلّ شيء، فإذا أصلحتم أنفسكم، وأزلتم النواقص، وتخلصتم ممّا تعانون منه من نقاط الضعف شملكم تأييده، وأنزل عليكم نصره (إن الله على كلّ شيء قدير).
﴿أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ﴾ الهمزة للتقريع والواو عطف الجملة على قصة أحد ولما ظرف قلتم مضاف إلى أصابتكم أي حين أصابتكم مصيبة وهي قتل سبعين منكم بأحد والحال أنكم ﴿قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا﴾ ضعفها ببدر ﴿قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا﴾ من أين هذا أصابنا وقد وعدنا النصر ﴿قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ﴾ أنتم السبب فيه لترككم المركز أو لاختياركم الخروج من المدينة أو الفداء يوم بدر ﴿إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ فيقدر على النصر ومنعه.