التّفسير
العصبية القومية لدى اليهود:
يشير القرآن مرّة اُخرى إلى عصبية اليهود القومية ويقول: ﴿وَإذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ الله قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ﴾.
فهم لم يؤمنوا بالإنجيل ولا بالقرآن، بل إنهم يدورون حول محور العنصرية والمصلحية، فيجرأون على رفض الدعوة التي جاءت تصديقاً لما معهم في التوراة ﴿وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِمَا مَعَهُمْ﴾.
ويكشف القرآن زيف ادعائهم مرة اُخرى حين يقول لهم: ﴿قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ الله مِنْ قَبْلُ إن كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ﴾هؤلاء يدّعون أنهم يؤمنون بما أنزل عليهم، فهل التوراة تبيح لهم قتل الأنبياء؟!
وهذا الذي يقوله بنو إسرائيل: ﴿نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا﴾ ينطلق من روح ذاتية فردية أو فئوية، وهي تخالف روح التوحيد.
فالتوحيد يستهدف القضاءَ على كل المحاور الذاتية في حركة الإنسان ومواقفه، وتكريس نشاطات الفرد حول محور العبودية لله لا غير.
بعبارة اُخرى، لو كان الإنصياع للأوامر الإلهية متوقفاً على نزولها عليهم، فهو الشرك لا الإيمان، وهو الكفر لا الإسلام، ومثل هذا الإنصياع ليس بدليل على الإيمان قط.
وعبارة ﴿مَا أَنْزَلَ الله﴾ تحمل مفهوم نفي كل ذاتية بشرية في الرسالة، بما في ذلك ذات النّبي المرسل، فلم تتضمن العبارة اسم محمّد وعيسى وموسى عليهم أفضل الصلاة والسلام، بل التأكيد على الإيمان بما أنزل الله تعالى.
﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ﴾ على محمد من القرآن أو كل كتاب أنزله ﴿قَالُواْ نُؤْمِنُ بِمَآ أُنزِلَ عَلَيْنَا﴾ وهو التوراة ﴿وَيَكْفُرونَ بِمَا وَرَاءهُ﴾ حال من فاعل قالوا ﴿وَهُوَ الْحَقُّ﴾ الضمير لما وهو القرآن لأنه ناسخ لما تقدمه ﴿مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَهُمْ﴾ حال مؤكدة رد لمقالهم إذ كفرهم بما يوافق التوراة كفر بها ﴿قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنبِيَاء اللّهِ مِن قَبْلُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ بالتوراة فإن فيه تحريم قتلهم فما آمنتم به بعد.