التّفسير
هذه الآية تعقيب على الآيات التي نزلت حول غزوة "حمراء الأسد"، ولفظة "ذلكم" إِشارة إِلى الذين كانوا يخوفون المسلمين من قوّة قريش، وبأس جيشهم لإضعاف معنويات المسلمين.
وعلى هذا الأساس يكون معنى هذه الآية هو: إِن عمل نعيم بن مسعود، أو ركب عبد القيس من عمل الشيطان لكي يخوفوا به أولياء الشيطان، يعني أن هذه الوساوس إِنما تؤثر في أتباع الشيطان وأوليائه خاصّة، وأمّا المؤمنون الثابتون فلا تزل أقدامهم لهذه الوساوس مطلقاً، ولن يرعبوا ولن يخافوا أبداً، وعلى هذا الأساس فأنتم لستم من أولياء الشيطان، فلا تخافوا هذه الوساوس، ويجب أن لا تزلزلكم أو تزعزع إِيمانكم.
إِنّ التّعبير عن نعيم بن مسعود أو ركب عبد القيس ووصفهم بــ "الشّيطان" إمّا لكون عملهم ذلك من عمل الشيطان ومستلهم منه ومأخوذ من وحيه، لأن القرآن يسمّي كل عمل قبيح وفعل مخالف للدين عمل شيطاني، لأنه يتم بوسوسته، ويصدر عن وحيه إِلى أتباعه.
وإمّا أن المقصود من الشّيطان هم نفس هؤلاء الأشخاص، فيكون "هذا المورد" من الموارد التي يطلق فيها اسم "الشّيطان" على المصداق الإِنساني له، لأن للشيطان معنىً وسيعاً يشمل كل غاو مضل، إِنساناً كان أم غير إِنسان كما نقرأ في سورة الأنعام الآية (112)، (وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً شياطين الإِنس والجن).
ثمّ أنّه سبحانه يقول في ختام الآية: (وخافون إِن كنتم مؤمنين) يعني أن الإِيمان بالله والخوف من غيره لا يجتمعان، وهذا كقوله سبحانه في موضع آخر: (فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخساً ولا رهقاً)(1).
يوعلى هذا الإساس فإن وجد في أحد الخوف من غير الله كان ذلك دلي على نقصان إِيمانه وتأثيره بالوساوس الشيطانية لأنّنا نعلم أنّه لا ملجأ ولا مؤثر بالذات في هذا الكون العريض سوى الله الذي ليس لأحد قدرة في مقابل قدرته.
وأساساً لو أن المؤمنين قارنوا وليهم (وهو الله سبحانه) بولي المشركين والمنافقين (الذي هو الشيطان) لعلموا أنّهم لا يملكون تجاه الله أية قدرة، ولهذا لا يخافونهم قيد شعرة.
وخلاصة هذا الكلام ونتيجته هي أنّ الإِيمان أينما كان، كانت معه الشجاعة والشهامة، فهما توأمان لايفترقان
﴿إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ﴾ يعني المثبط نعيما أو أبا سفيان أي هو قول الشيطان ﴿يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ﴾ القاعدين عن الخروج مع النبي أو يخوفكم من أوليائه أبي سفيان وأتباعه ﴿فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ﴾ فأطيعوا رسولي وجاهدوا معه ﴿إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ إذ المؤمن لا يخاف إلا الله.