التّفسير
تسلية النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم):
الخطاب في قوله تعالى: (ولا يحزنك الّذين يسارعون في الكفر) موجه إِلى النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
يفالله تعالى يسلي نبيّه في أعقاب أحداث "أُحد" المؤلمة قائ له: أيّها الرّسول (لا يحزنك الَّذين يسارعون في الكفر) وكأنّهم يتسابقون إليه (إنّهم لا يضرّوا الله شيئاً) بل يضرّون بذلك أنفسهم، وأساساً فالمتضرر والمنتفع إِنّما هي الموجودات التي لا تملك من عند أنفسها شيئاً حتى وجودها، أمّا الله الأزلي الأبدي سبحانه فهو الغني المطلق، فما الذي يعود به كفر الناس أو إِيمانهم عليه سبحانه، وأي أثر يمكن أن يكون لجهودهم ومحاولاتهم بالنّسبة إِليه تعالى؟
إِنّهم هم المنتفعون بإِيمانهم إِذ يتكاملون بهذا الإِيمان، وهم المتضررون بالكفر أيضاً، إِذ يؤدي هذا الكفر إِلى سقوطهم وإِنحطاطهم.
هذا مضافاً إِلى أن الله سوف لن ينسى مواقفهم المشينة ولن تفوته مخالفاتهم، وسيصيبهم جزاء ما يعملونه يوم القيامة: (يريد الله ألاّ يجعل لهم حظّاً في الآخرة ولهم عذاب عظيم).
وفي الحقيقة فإِن الآية تقول: إِذا كان هؤلاء يتسابقون في الكفر فليس ذلك لأنّ الله لا يقدر على كبح جماحهم، بل لأنّ الله أراد أنْ يكونوا أحراراً في اتّخاذ المواقف وسلوك الطريق الذي يريدون، ولا شك أنّ نتيجة ذلك هو الحرمان الكامل من المواهب الرّبانيّة في العالم الآخر.
وعلى هذا فالآية لا تنفي الجبر فحسب، بل هي من الأدلة والبراهين السّاطعة على حرية الإِرادة الإِنسانية.
﴿وَلاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ﴾ يقعون فيه سريعا ﴿إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّواْ اللّهَ شَيْئاً﴾ بكفرهم وإنما يضرون أنفسهم ﴿يُرِيدُ اللّهُ أَلاَّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا﴾ نصيبا من الثواب ﴿فِي الآخِرَةِ﴾ وفي ذكر الإرادة إشعار ببلوغهم الغاية في الكفر حتى أراد أرحم الراحمين أن لا يرحمهم ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ بدل الثواب.