في الآية الثالثة يطرح القرآن وثيقة إدانة اُخرى، فيشير إلى مسألة ميثاق جبل الطور ويقول: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّة وَاسْمَعُوا، قَالُوا: سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا﴾.
وما كان عصيانهم إلاّ عن انغماس في حبّ الدنيا الذي تمثّل في حبّ عجل السّامري الذّهبي: ﴿وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهمْ﴾ ولذا نسوا الله عزّ وجلّ؟! كيف يجتمع الايمان بالله مع قتل انبيائه وعبادة العجل ونقض العهود والمواثيق الالهية المؤكدة؟! أجل ﴿قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنيِنَ﴾.
بحثان
1 - عبارة ﴿قَالُوا: سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا﴾ ليست حكاية عمّا قالوه بألسنتهم، بل حسب الظاهر هي تعبير عن واقع عملي لهؤلاء القوم، وكناية رائعة عن إنحرافهم.
2 - عبارة ﴿وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ﴾ هي أيضاً كناية رائعة تعبّر عن وضع هذه الجماعة.
والاشراب له معنيان كما ورد في المفردات: الإحكام كقولك «أشربت البعير» إذا شددت رقبته بالحبل.
وكذلك الإرواء، ويكون المعنى على الوجهين أن حبّ العجل قد غمر قلوب بني إسرائيل واستحكم في أنفسهم.
والعبارة توحي أيضاً ما يصدر عن هؤلاء القوم من إنحراف، إنما هو ظاهرة طبيعية ناتجة عن تغلغل روح الشرك في قلوبهم.
والقلوب التي أُشربت الشرك لا يصدر عنها إلا القتل والإنكار والخيانة.
وتتبين أهمية الموضوع أكثر لو طالعنا مقدار ما أكدت عليه الديانة اليهودية من تقبيح لعملية القتل ونهي عنها فقد جاء في قاموس الكتاب المقدس، ص 678: «القتل العمدي وتقبيحه كان على درجة من الأهمية لدى بني إسرائيل، بحيث لا تبرأ ذمّة القاتل له لولجأ إلى الأماكن المقدسة، بل لابدّ إنزال عقوبة القصاص به بأيّ حال من الأحوال».
هذا هو معنى قتل الإنسان في نظر التوراة، فما بالك بقتل الأنبياء؟
﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ﴾ بجد وعزم ﴿وَاسْمَعُواْ﴾ ما يقال لكم ﴿قَالُواْ سَمِعْنَا﴾ بآذاننا ﴿وَعَصَيْنَا﴾ بقلوبنا أو سمعنا قولك وعصينا أمرك ﴿وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ﴾ قيل لأنهم مجسمة استحسنوا جسمه فرسخ في قلوبهم حبه ﴿قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ﴾ بموسى والتوراة أن تكفروا بي ﴿إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ﴾ كما تزعمون.