التّفسير
في مطلع هذه السّورة نواجه مرّة أُخرى "الحروف المقطَّعة" وهي هنا عبارة عن: الألف واللام والميم، والصاد.
وقد سبقت منّا أبحاثٌ مفصّلة عند تفسير هذه الحروف في مطلع سورة "البقرة" وكذا: "آل عمران".
وهنا نلفت النظَر إِلى تفسير آخر من التفاسير المطروحة في هذا الصعيد استكمالا للبحث وهو: أنّه يمكن أن يكون أحد الأهداف لهذه الحروف هو جلب إنتباه المستمعين، ودعوتهم إِلى السكوت والإِصغاء، لأنَّ وجود هذه الحروف في مطلع الكلام موضوع عجيب لم يسبق له مثيل في نظر العرب، ومن شأنها أن تثير في العربي حبّ الاستطلاع، وتدعوه إِلى متابعة الكلام إِلى نهايته.
ومن الإِتفاق أنّ غالب السور المبدوءة بالحروف المقطّعة هي السور التي نزلت في مكّة، ونحن نعلم أن المسلمين في مكّة كانوا أقليّة، وكان أعداؤهم وخصومهم خصوماً ألدّاء اشتد عنادهم إِلى درجة أنّهم ما كانوا على استعداد حتى لاستماع كلام رسول الله (ص)، بل ربّما أثاروا ضجيجاً، ورَفَعوا الأصوات في وجه رسول الله (ص) عند قراءته للآيات القرآنية ليضيع في زحمتها وخضمّها نداؤهُ (ص)، وهو ما أشارت إِليه بعض الآيات (مثل الآية 26 سورة فصلت - السجدة).
كما أننا نقرأ في بعض الرّوايات والأحاديث المروية عن أهل البيت (عليهم السلام) أنّ هذه الحروف رموز وإِشارت إِلى أسماء الله، فـ: "الـمص" في السورة المبحوثة مثلا إِشارة إِلى جملة: أنا الله المقتدر الصادق.
وبهذا الطريقيكون كل واحد من الحروف الأربعة صورة مختصرة عن أحد أسماء الله تعالى.
ثمّ إِنّ موضوع إِحلال الصياغات المختصرة محلّ الصياغات المفصَّلة للكلمات كان أمراً رائجاً من قديم الزمان، وإِن حصل مثل هذا في عصرنا أيضاً بشكل أوسع، حيث اختصِرت الكثير من العبارات الطويلة، وكذا أسامي المؤسسات أو الهيئات في كلمة قصيرة أو أحرف معدودة.
على أن ثمّة نقطةً تستحقُ التنويه بها هنا، وهي أنّ التفاسير والتحاليل المختلفة عن "الحروف المقطعّة" لا تتنافى ولا تتناقض فيما بينها، ويمكن أن تكون جميع التفاسير بطوناً مختلفة من بطون القرآن.
﴿المص﴾ روي معناه أنا الله المقتدر الصادق.