ثمّ يقول تعالى في الآية اللاحقة: (كتابٌ أُنزِلَ إِلَيكَ فلا يكن في صدرك حَرَجٌ منه).
و"الحرج" في اللغة يعني الشعور بالضيق وأي نوع من أنواع المعاناة، والحرج في الأصل يعني مجتمع الشجر الملتفّ أوّلا ثمّ المنتشر، وهو يُطلق على كل نوع من أنواع الضيق.
إنَّ العبارة الحاضرة تسلّي النّبي (ص) وتطمئن خاطره بأنّ هذه الآيات نازلة من جانب الله تعالى فيجب أن لا يشعر (ص) بأيّ ضيق وحرج، لا من ناحية ثقل الرسالة الملقاة على عاتقه، ولا من ناحية ردود فعل المعارضين والأعداء الألدّاء تجاه دعوته، ولا من ناحية النتيجة المتوقعة من تبليغه ودعوته.
هذا ويمكن إِدراك المشكلات التي كانت تعرقل حركة النّبي (ص) إِدراكاً كاملا إِذا عرفنا أن هذه السورة من السور المكّية، ونحن وإِن كنّا نعجز عن تصوّر جميع الجزئيات والتفاصيل المرتبطة بحياة رسول الله (ص) وصحبه في المحيط المكي، وفي مطلع الدّعوة الإِسلامية، ولكن مع الإِلتفات إِلى حقيقة أن النّبي (ص) كان عليه أن يقوم بنهضة ثورية في جميع المجالات والأصعدة في تلك البيئة المتخلفة جداً وفي مدّة قصيرة، يمكن أن نتصور على نحو الاجمال أبعاد وأنواع الصعاب التي كانت تنتظره.
وعلى هذا الأساس يكون من الطبيعي أن يعمد الله سبحانه إِلى تسلية النّبي وتطمينه بأن لا يشعر بالضيق والحرج، وأنّ يطمئنَّ إِلى نتيجة جهوده.
ثمّ يضيف تعالى في الجملة اللاحقة أن الهدف من نزول هذا الكتاب العزيز هو إِنذار الناس وتحذيرهم من عواقب نواياهم وأعمالهم الشريرة، وتذكير المؤمنين الصادقين، إِذا يقول: (لتنذر به وذكرى للمؤمنين) (1).
هذا ومجيء قضية "الإِنذار" في صورة الأمر العام الموجّه للجميع، واختصاص "التذكير" بالمؤمنين خاصّة، إِنّما هو لأجل أنَّ الدعوة إِلى الحق، ومكافحة الإِنحرافات يجب أن تتمّ بصورة عامّة وشاملة، ولكن من الواضح أنّ المؤمنين هم وحدهم الذين ينتفعون بهذه الدعوة، أُولئك الذين تتوفر لديهم أرضيات مستعدّة لقبول الحق، وقد أبعدوا عن أنفسهم روح العناد واللجاج وسلّموا أمام الحقائق.
وقد جاءت هذه العبارة بعينها في مطلع سورة البقرة إِذا يقول تعالى: (ذلك الكتاب لا ريبَ فيه هدىً للمتقين) (وللمزيد من التوضيح راجع تفسير الآية 2 من سورة الحمد).
﴿كِتَابٌ﴾ خبر محذوف أو المص ﴿أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ﴾ ضيق من تبليغه أو شك ﴿لِتُنذِرَ بِهِ﴾ متعلق بأنزل ﴿وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ عطف على كتاب أو محل لتنذر.