ثمّ إِنه تعالى يقولفي المقطع الآخر من الآية: (فمن ثقلت موازينُه فأُولئك همُ الصالحون، ومن خفّت موازينه فأُولئك الذِين خَسروا أنفسَهم بِما كانوا بآياتنا يَظلمون).
إِنّ من البديهي أنّ المراد من الخفّة والثقل في الموازين ليس هو خفة وثقل نفس الميزان، بل قيمة ووزن الأشياء التي توزن بواسطة تلك الموازين، وتُقاس بتلك المقاييس.
ثمّ إِنّ في التعبير بجملة "خسروا أنفسهم" إِشارة لطيفة إِلى هذه الحقيقة، وهي أن هؤلاء قد أصيبوا بأكبر الخسارات، لأنّ الإِنسان قد يخسر ماله، أو منصبه، ولكنّه قد يخسر أصل وجوده من دون أن يحصل على شيء في مقابل ذلك، وتلك هي الخسارة الكبرى، والضرر الأعظم.
إنّ في التعبير بـ"كانوا بآياتنا يظلمون" في آخر الآية إشارة إِلى أن مثل هؤلاء لم يظلموا أنفسهم فحسب، بل ظلموا - كذا - البرامج الإِلهية الهادية، لأنّ هذه البرامج كان ينبغي أن تكون سبلا للهداية ووسائل للنجاة، ولو أنّ أحداً تجاهلها، ولم يكترث بها، فلم يحصل منها هذا الأثر، كان ظالماً لها.
وقد جاء في بعض الرّوايات والأخبار أنّ المراد من الآيات هنا هم أئمّة الهدى (عليهم السلام)، على أن هذا النمط من التّفسير - كما أسلفنا مراراً - لا يعني حصر مفهوم الآية فيهم، بل هم المصاديق الأتمّ والأظهر للآيات الإِلهية.
هذا، وفسّر بعض المفسّرين الظلم في الآية بالكفر والإِنكار، وهذا المعنى ليس بعيداً عن مفهوم الظلم، إذ قد ورد الظلم في بعض الآيات القرآنية الأخرى بهذا المعنى.
﴿وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُم﴾ بتعريضها للعقاب ﴿بِمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يِظْلِمُونَ﴾ يكذبون.