التّفسير
قصّة عصيان إِبليس
لقد أشير إِلى مسألة خلق الإِنسان وكيفية إِيجاده في سبع سور من سُوَر القرآن الكريم، والهَدَفَ من ذكر هذا الموضوع - كما سبق أن أشرنا في الآية السابقة - هو بيان شخصية الإِنسان، ومقامه، ومنزلته بين كائنات العالم، وبعث روح الشكر والحمد فيه.
لقد جاء ذكر خلق الإِنسان من التراب، وسجود الملائكة له، وتمرّد الشيطان وعصيانه، ثمّ موقفه تجاه النوع الإِنساني في هذه السور بتعابير مختلفة.
وفي الآية المبحوثة الآن يقول الله تعالى: (ولقد خلقناكم ثمّ صوّرناكم ثمّ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم) جدّكم الأوّل، ومن المأمورين بالسجود إِبليس الذين كان موجوداً في صفوفهم وإن لم يكن منهم، فامتثلوا لهذا الأمر جميعاً وسجدوا لآدم إِلاّ إِبليس: (فسجدوا إِلاّ إِبليس لم يكن من الساجدين).
ويمكن أن يكون ذكر "الخلق" في الآية الحاضرة قبل "التصوير" إِشارة إِلى: أنّنا أوجدنا المادة الأصلية للإِنسان أوّلا، ثمّ أفضنا عليها الصورة الإِنسانية.
بحثان
1 - سجود الملائكة لم يكن سجود عبادة
كما قلنا في ذيل الآية (34) من سورة البقرة: إِنّ سجود الملائكة لآدم لم يكن سجود عبادة، لأن العبادة مخصوصة الله سبحانه، بل السجدة هنا بمعنى التواضع (أي الخضوع أمام عظمة آدم وسموّ منزلته في عالم الخليقة) أو بمعنى السجود لله الذي خلق مثل هذا المخلوق المتعادل المتوازن.
2 - إِبليس لم يكن من الملائكة
إِنّ "إِبليس" - كما قلنا في ذيل تلك الآية - لم يكن من الملائكة، بل هو حسب صريح الآيات القرآنية من قسم آخر من الكائنات يُدعى "الجنّ" (وللمزيد من التوضيح راجع المجلد الأوّل من هذا التّفسير في الحديث عن سجود الملائكة لآدم).
﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ﴾ أنشأناكم أو أباكم آدم غير مصور ﴿ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ﴾ أفضنا على مواد خلقكم هذه الصورة ﴿ثُمَّ قُلْنَا﴾ بعد خلق آدم وتصويره ﴿لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ﴾ تكرمة له ﴿فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ﴾.