لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
وفي آخر آية من الآيات المبحوثة هنا يصدر مرّة أُخرى الأمر بخروج الشيطان من حريم القرب الإِلهي والمقام الرفيع، بفارق واحد هو أن الأمر بطرده هنا اتّخذ صورة أكثر ازدراءً وتحقيراً، وأشدّ عنفاً ووقعاً، ولعلّ هذا كان لأجل العناد واللجاج الذي أبداه الشيطان بالإِلحاح على الوسوسة للإِنسان وإِغوائه وإِغرائه، يعني أن موقفه الأثيم في البداية كان منحصراً في التمرد على أمر الله وعدم إمتثاله، ولهذا صدر الأمر بخروجه فقط، ولكن عندما أضاف معصية أكبر إِلى معصيته بالعزم على إِضلال الآخرين جاء الأمر المشدَّد: (قال أُخرج منها مذءوماً مدحوراً). ثمّ حلف على أن يملأ جهنم منه ومن اتباعه (لمن تبعك منهم لأملأنّ جهنم منكم أجمعين). فلسفة خلق الشيطان وحكمة إِمهاله: في مثل هذه الأبحاث تتبادر إِلى الأذهان - عادة - أسئلة متنوعة ومختلفة أهمها سؤالان: 1 - لماذا خلق الله الشيطان، مع أنّه علم بأنّه سيكون منشأ للكثير من الوساس والضلالات؟ 2 - بعد أن ارتكب الشيطان مثل تلك المعصية الكبيرة، لماذا قبل الله طلبه في الإِمهال، وتأخير الأجل؟ وقد أجبنا على السؤال الأوّل في المجلد الأوّل من تفسيرنا هذا (الأمثل) وقلنا: أوّلا: إنّ خلق الشيطان كان في بداية الأمر خلقاً جيداً، لا عيب فيه، ولهذا احتل موقعاً في صفوف المقرّبين إِلى الله، وبين ملائكته العظام، وإِن لم يكن من جنسهم ثمّ إِنّه بسوء تصرّفه في حريته بنى على الطغيان والتمرد، فطرد من ساحة القرب الإِلهي، واختصَّ باسم الشيطان. ثانياً: إِنّ وجود الشيطان ليس غيرَ مضرٍّ بالنسبة سالكي طريق الحقّ فحسب، بل يعدُّ رمزاً لتكاملهم أيضاً، لأنّ وجود مثل هذا العدوّ القويّ في مقابل الإِنسان يوجب تربية الإِنسان وتكامله وحنكته، وأساساً ينبثق كل تكامل من بين ثنايا التناقضات والتدافعات، ولا يسلك أي كائن طريق كماله ورشده إِلاّ إِذا واجه ضداً قوياً، ونقيضاً معانداً. فتكون النتيجة أنّ الشيطان وإِن كان بحكم إِرادته الحرّة مسؤولا تجاه أعماله المخالفة، ولكن وساوسه لن تضرّ عباد الله الذين يريدون سلوك طريق الحقّ، بل يكون مفيداً لهم بصورة غير مباشرة. والجواب على السؤال الثاني يتضح ممّا قلناه في الجواب على الاعتراض الأوّل، لأنّ مواصلة الشيطان لحياته كقضية سلبية يكون وجودها ضرورياً لتقوية نقاط إِيجابية، لا يكون غير مضرٍّ فحسب، بل هو مؤثّر ومفيد أيضاً، فإِنّه مع غضّ النظر عن الشيطان، هناك مجموعة من الغرائز المختلفة في داخِلنا، وهي بوقوفها في الطرف الآخر من قوانا العقلية والروحية تشكّلان ساحة صراح وتناقض قويّين، وفي مثل هذه الساحة يتحقق تقدم الإِنسان وتكامله، وتربيته ورشده. واستمرار حياة الشيطان - هو الآخر - لتقوية عوامل هذا التناقض المثمر المفيد. وبعبارة أُخرى: إِنّ الطريق المستقيم يتميّز دائماً بالالتفات إِلى الطرق المنحرفة حوله ولولا هذه المقايسة والمقارنة لما أمكن تمييز الطريق المستقيم عن الطريق المنحرف. كلّ هذا بغض النظر عن أنّنا نقرأ في بعض الأحاديث أنّ الشيطان بعد قيامه بذلك الذنب، عرّض سعادته ونجاته في العالم الآخر للخطر بصورة كلّية، ولهذا فإِنّه طلب من الله تعالى أن يعطيه عمراً طويلا في هذه الدنيا في مقابل عباداته التي كان قد أتى بها قبل ذلك، وكانت العدالة الإِلهية تقتضي قبول مثل هذا الطلب. إِنّ النقطة المهمّة الأُخرى التي يجب الإِنتباه إِليها - أيضاً - هي أنّ الله تعالى وإِن كان ترك الشيطان حرّاً في القيام بوساوسه، ولكنّه من جانب آخر لم يدع الإِنسان مجرّداً من الدفاع عن نفسه. لأنّه أوّلا: وهبه قوّة العقل التي يمكن أن توجد سدّاً قوياً منيعاً فى وجه الوساوس الشيطانية خاصّة إِذا لقيت تربية صالحة. وثانياً: جعل الفطرة النقيّة وحبّ التكامل في باطن الإِنسان كعامل فعال من عوامل السعادة. وثالثاً: يبعث الملائكة التي تلهم الخيرات إِلى الذين يريدون أن يعيشوا بمنأى عن الوساوس الشيطانية، كما يصرّح القرآن الكريم بذلك إِذ يقول: (إِنّ الذين قالوا ربّنا الله ثمّ استقاموا تتنزل عليهم الملائكة) (11) إِنّها تنزل عليهم لتقوية معنوياتهم بإِلهامهم ألوان البشارات والتطمينات لهم. ونقرأ في موضوع آخر: (إِذ يوحي ربُّك إِلى الملائكة أنّي معكم فثبتوا الذين آمنوا) (12) وسدّدوا خطاهم في طريق الحق. فرضية تطور الأنواع وخلقة آدم: هل هناك تلاؤم بين ما يقوله القرآن الكريم في خلقة آدم، مع ما هو مطروح في فرضية الأنواع في أبحاث العلوم الطبيعية، أو لا؟ وأساساً هل بلغت فرضية التطور والتكامل مرحلة القطعية واليقين من وجهة نظر العلماء، أو لا؟... كل هذه الأُمور بحاجة إِلى أبحاث مفصلة سوف نخوضها بمشيئة الله في ذيل آيات أكثر تناسباً، مثل الآيات (26) إلى (33) من سورة الحجر. ﴿قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْؤُومًا﴾ مذموما ﴿مَّدْحُورًا﴾ مطرودا ﴿لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ﴾ لام الابتداء موطئة للام القسم في ﴿لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ منك ومن ذريتك ومنهم غلب الحاضر.