الآية الأخيرة تذكر انشداد هؤلاء بالأرض وحرصهم الشديد على المال والمتاع: ﴿وَلَتَجِدَنَّهُمْ أحْرَصَ النّاسِ عَلى حَيَاة﴾ وتذكر الآية أن حرصهم هذا يفوق حرص الذين أشركوا: ﴿وَمِنَ الَّذِينَ أشْرَكُوا﴾.
المشركون ينبغي أن يكونوا أحرص من غيرهم على جمع المال والمتاع، لكن هؤلاء من أصحاب الإدعاءات الفارغة، بلغوا من الحرص ما لم يبلغه المشركون.
وبلغ شغفهم بالدنيا أنّه ﴿يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَو يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَة﴾ لجمع مزيد من متاع الدنيا، أو خوفاً من عقاب الآخرة! لكن هذا العمر الذي يتمناه كل واحد منهم لا يبعده عن العذاب، ولا يغيّر من مصيره شيئاً ﴿وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أنْ يُعَمَّرَ﴾ إذ كل شيء محصى لدى الله، ولا يعزب عن عمله شيء ﴿واللهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ﴾.
بحوث
1 - المقصود من الأعوام الألف في قوله تعالى: ﴿يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْيُعَمَّرُ ألْفَ سَنَة﴾ليس هذا العدد المعروف، بل يعني العمر الطويل المديد، فهو ليس للتعدد، بل للتكثير.
وذهب بعض المفسرين إلى أن العرب لم تكن تعرف أنذاك عدداً أكبر من الألف، ولم يكن لما يزيد على الألف اسم عند العرب، ولذلك كان أبلغ تعبير عن الكثرة!.
2 - تنكير الحياة في تعبير الآية ﴿وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَيَاة﴾ تفيد - كما ذهب إلى ذلك جمع من المفسرين - الإستهانة والتحقير، أي إن هؤلاء حريصون حتى على أتفه حياة وأرخصها وأشقاها، ويفضلونها على الآخرة.
3 - إفرازات العنصرية:
كان التعصّب العنصري وراء كثير من الحروب والمآسي التي حدثت على الساحة البشرية خلال جميع عصور التأريخ، وفي عصرنا الحديث كان التعصب ييالعرقي الألماني عام فعا في إشعال لظى الحربين العالميتين الاُولى والثانية.
واليهود يحتلون دون شك مكان الصدارة بين العنصريين المتعصبين على مرّ التأريخ، وها هي دويلتهم المسماة بإسرائيل أُقيمت على أساس هذه العنصرية المقيتة، وما يرتكبه هذا الكيان العنصري الصهيوني من جرائم فظيعة إنما هو استمرار لجرائمه التأريخية الناشئة عن عنصريته البغيضة.
لقد دفعتهم عنصريتهم لأن يحتكروا حتّى تعاليم موسى، ويزيلوا عنصر الدعوة من دينهم، كي لا يعتنق تعاليمهم أحد غيرهم.
وهذه النزعة الأنانية هي التي جعلت هؤلاء القوم منبوذين ممقوتين من قبل كل شعوب العالم.
التعصب العنصري شعبة من الشرك، ولذلك حاربه الإِسلام بشدّة، مؤكداً أن كل أبناء البشر من أب واحد واُمّ واحدة، ولا تمايز إلاّ بالتقوى والعمل الصالح.
4 - عوامل الخوف من الموت:
أكثر النّاس يخافون من الموت، وخوفهم هذا يعود إلى عاملين:
1 - الخوف من الفناء والعدم، فالذين لا يؤمنون بالآخرة لا يرون بعد هذه الحياة استمرار لحياتهم، ومن الطبيعي أن يخاف الإنسان من الفناء، وهذا الخوف يلاحق هؤلاء حتى في أسعد لحظات حياتهم فيحوّلها إلى علقم في أفواههم.
2 - الخوف من العقاب، ومثل هذا الخوف يلاحق المذنبين المؤمنين بالآخرة، فيخافون أن يحين حينهم وهم مثقلون بالآثام والأوزار، فينالوا جزاءهم، ولذلك يودّون أن تتأخّر ساعة انتقالهم إلى العالم الآخر.
الأنبياء العظام أحيوا في القلوب الإيمان باليوم الآخر، وبذلك أبعدوا شبح الفناء والإنعدام من الأذهان، وبينوا أن الموت انتقال إلى حياة أبدية خالدة منعّمة.
من جهة اُخرى دعا الأنبياء إلى العمل الصالح، كي يبتعد الإنسان عن الخوف من العقاب، ولكي يزول عن القلوب والأذهان كل خوف من الموت.,
﴿وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ﴾ ليأسهم عن نعم الآخرة ﴿وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ﴾ محمول على المعنى أي أحرص من الناس ومن الذين أشركوا أفردوا بالذكر لشدة حرصهم إذ لم يعرفوا إلا الحياة الدنيا ﴿يَوَدُّ﴾ يتمنى ﴿أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ﴾ حكاية لما ودوا ولو بمعنى ليت ﴿وَمَا هُوَ﴾ التعمير ألف سنة ﴿بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ﴾ بمباعده منه ﴿أَن يُعَمَّرَ﴾ بدل التعمير عن الضمير لئلا يتوهم عوده إلى التمني أو الضمير لا إلى أحدهم وأن يعمر فاعل مزحزحه أي ما واحدهم منجيه عن النار تعميره ﴿وَاللّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ﴾ عليم بأعمالهم.