لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
التّفسير رجوع آدم إِلى الله وتوبته: وفي المآل عندما عرفَ آدم وحواء بكيد إِبليس، وخطّته ومكره الشيطاني، ورأيا نتيجة مخالفتهم فكرا في تلافي ما فات، وجبران ما صدر منهما، فكانت أوّل خطوة خطياها هي: الاعتراف بظلمهما لنفسيهما أمام الله: (قالا ربَّنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننّ من الخاسرين). والخطوة الأولى في سبيل التوبة والإِنابة إِلى الله وإِصلاح المفاسد هي: أن ينزل الإِنسان عن غروره ولجاجه، ويعترف بخطأه اعترافاً بَنَّاءً واقعاً في سبيل التكامل. والملفت للنظر أن آدم وحواء يُظهران أدَباً كبيراً مع الله في توبتهما وطلبهما العفو والغفران منه تعالى فلم يقولا: ربنا اغفر لنا، بل يقولان: (إِن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننّ من الخاسرين). ولا شك أنّ مخالفة أوامر الله ونواهيه ظلم يورده الإِنسان على نفسه، لأنّ جميع البرامج والأوامر الإِلهية تهدف إِلى خير الإِنسان، وتتكفل سعادته وتقدمه، وعلى هذا الأساس فإِنّ أية مخالفة من جانب الإِنسان تكون مخالفة لتكامل نفسه، وسببا لتأخرها وسقوطها، وآدم وحواء وإِن لم يذنبا ولم يرتكبا معصية، ولكن نفس هذا الترك للأولى أنزلهما من مقامهما الرفيع، واستوجب حطّ منزلتهما. إِنّ توبة آدم وحواء الخالصة وإِن قُبِلت من جانب الله تعالى - كما نقرأ ذلك في الآية (37) من سورة البقرة (فتاب الله) - ولكنّهما لم يستطيعا على كل حال التخلص من الأثر الوضعي والنتيجة الطبيعة لعملهما، فقد أُمِرا بمغادرة الجنّة، وشمل هذا الأمر الشيطان أيضاً: (قال اهبطوا بعضكم لبعض عدوّ ولكم في الأرض مستقر ومتاع إِلى حين). كما ذكّر الجميع بأنّهم سيتعرضون في الأرض للموت بعد الحياة، ثمّ يخرجون من الأرض مرّة أُخرى للحساب (قال فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون). والظاهر أن المخاطبين في هذه الآية: (قلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو) هم آدم وحواء وإِبليس جميعاً، ولكن لا يبعد أن يكون المخاطبين في الآية اللاحقة هم آدم وحواء فقط لأنّهما هما اللذان يخرجان من الأرض. قصّة آدم ومستقبل هذا العالم: إِن ببعض المفسّرين الذين تأثروا بموجة الأفكار الغربية الإِلحادية عادة، وحاولوا أن يضفوا على قصّة آدم وحواء من بدايتها إِلى نهايتها طابع التشبيه والكناية والمجازية، أو ما يسمّى الآن بالرمزية، ويحملوا جميع الألفاظ المتعلقة بهذه الحادثة - على خلاف الظاهر - على الكناية عن المسائل المعنوية. ولكن الذي لا شك فيه أن ظاهر هذه الآيات يحكي عن حادثة واقعية عينية وقعت لأبينا وأُمنا الأوّلين: آدم وحواء، وحيث أن هذه القصّة لا تتضمن أية نكتة غير قابلة للتفسير حسب الظاهر، كما ليس فيها ما يخالف الموازين العقلية (ليكون قرينة على حملها على المعنى الكنائي) لهذا ليس هناك أي دليل على أن نعرض عن ظاهر الآيات، ولا نحملها على معناها الحقيقي. ولكن مع ذلك يمكن أن تحمل هذه الحادثة الواقعية الحسية إِشارات إِلى حياة النوع البشري في مستقبل هذه العالم. يعني أنّ الإِنسان المركب من قوّة "العقل" ومن "الغرائز الجامحة" والتي تجرّه كل واحدة منهما إِلى جهة وناحية يواجه في خضم هذه الحياة الصاخبة دعاة كذّابين أصحاب سوابق سيئة مثل الشيطان، يحاولون بوساوسهم المتواصلة إِلقاء الستار والحجاب على عقله بغية عزله عنه، وبغية خداعه وإِضلاله وتركه حائراً في متاهات الحياة يبحث عن سراب. إِنّ أوّل نتيجة للإِستسلام أمام الوساوس هو إِنهيار حاجز التقوى، وسقوط لباسه، وانكشاف مساوئه وسوءاته. والأُخرى هي الابتعاد عن مقام القرب إِلى الله، وسقوط الإِنسان عن مقام الإِنسانية الكريم، والإِخراج من جنة الأمن والطمأنينة، والوقوع في دوامة الحياة المادية المضنية. وفي هذه الحالة يمكن لقوّة العقل - أيضاً - أن تساعد الإِنسان وتعينه على النهوض من كبوته، فيفكر فوراً في تلافي ما فاته، وجبران ما بدر منه، فيبعثه العقل والتفكير إِلى أن يعود إِلى الله كي يعترف بكل شجاعة وصراحة بذنوبه، اعترافاً بناءاً واعياً مفيداً يعدُّ منعطفاً في حياته. وفي هذا الوقت تمتد إِليه يد الرحمة الإِلهية مرّة أُخرى، وتنقذه وتخلصه من السقوط الأبديّ، وإِن كان لا يستطيع مع ذلك التخلص من آثار معصيته الوضعية ونتائجها الطبيعية مهما كانت قليلة ومحدودة. ولكن هذه الحادثة ستكون له درساً وعبرة، وسيمكنه ذلك من أن يتخذ من هذه الهزيمة قاعدة صلبة لا نتصاره في مستقبل الحياة، ويستفيد من هذا الضرر نفعاً كبيراً في المراحل القادمة من حياته. الآيات 26 - 28 ﴿يبَنِى ءَادَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِبَاسَاً يُورِى سَوْءَتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقوى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ ءَايَـتِ اللهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ26 يَـبَنِى ءَادَمَ لاَيَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَـنُ كَمَآ أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُما لِبَاسَهُمـا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَتِهِمآ إِنَّهُ يَرَيكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إنَّا جَعَلْنا الشَّيطِينَ أَوْلِيَآءَ لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ 27 وَإِذَا فَعَلُوا فَـحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَآ ءَابَآءَنَا وَاللهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إنَّ اللهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَآءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ 28﴾ التّفسير إنذار إلى كل أبناء آدم: إنّ قصة آدم ومشكلته مع الشيطان - كما أسلفنا في آخر بحث في الآيات السابقة - عكست تصويراً واقعياً عن حياة جميع أفراد البشر على الارض، ولهذا بيّن الله تعالى في الآيات الحاضرة وما بعدها سلسلة من التعاليم والبرامج البنّاءة لجميع أبناء آدم، وهي تعتبر في الحقيقة إستمراراً لبرامج آدم في الجنّة. ففي البداية يشير إلى مسألة اللباس وستر سَوءات البدن التي كان لها دور مهم في قصّة آدم، إذ يقول: (يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباساً يواري سوآتكم). ولكن فائدة اللباس الذي أرسلناه لكم لا تقتصر على ستر البدن وإخفاء العيوب والسوءآت، بل للتجمل والزينة أيضاً حيث يجعل أجسامكم أجمل ممّا هي عليه. (وريشاً). وكلمة "ريش" في الأصل هو ما يستر أجسام الطيور، وحيث أنّ ريش الطيور هو اللباس الطبيعي في أجسامها، لهذا أُطلِق على نوع من أنواع الألبسة، ولكن حيث أنّ ريش الطير في الأغلب مختلف الألوان جميلها، لذلك تتضمّن هذه الكلمة مفهوم الزينة والجمال، هذا مضافاً إلى أنّه تطلق كلمة الريش على الأقمشة التي تلقى على سَرْج الفرس أو جهاز البعير. وقد أطلق بعض المفسّرين وأهل اللغة هذه اللفظة على معنى أوسع أيضاً، وهو كل نوع من أنواع الأثاث والحاجيات التي يحتاج إليها الإنسان، ولكن الأنسب في الآية الحاضرة هو الألبسة الجميلة وثياب الزينة. ثمّ تحدث القرآن عقيب هذه الجملة التي كانت حول اللباس الظاهري، عن حدّ اللباس المعنوي تبعاً لسيرته في الكثير من الموارد التي تمزج بين الجانبين المادي والمعنوي، الظاهري والباطني إذ قال: (ولباس التقوى ذلك خير). وتشبيه التقوى باللباس تشبيه قوي الدلالة، معبّرٌ جدّاً، لأنّه كما أنّ اللباس يحفظ البدن من الحرّ والقرّ، يقي الجسم عن الكثير من الأخطار، ويستر العيوب الجسمانية، وهو بالإضافة الى هذا وذاك زينة للإنسان، ومصدر جمال. كذلك روح التقوى، فإنّها مضافاً إلى ستر عيوب الانسان، ووقايته من الكثير من الأخطار الفردية والإجتماعية، تعدّ زينة كبرى له... زينة ملفتة للنظر تضيف إلى شخصيته رفعة وسمّواً، وتزيدها جلالا وبهاءً. ثمّ إنّ هناك مذاهب متعددة للمفسّرين في تحديد المراد من لباس التقوى، وأنّه ما هو؟ فبعض فسّره ب- "العمل الصالح" و بعض ب- "الحياء" و بعض ب- "لباس العبادة"، و بعض ب- " "لباس الحرب" مثل الدرع والخوذة، وحتى الترس، لأنّ لفظة التقوى مشتقّة من مادة "الوقاية" بمعنى الحفظ والحماية، وبهذا المعنى جاء في القرآن الكريم أيضاً، كما نقرأ في سورة النحل الآية (81) : (وجعل لكم سرابيل تقيكم الحرّ وسرابيل تقيكم بأسكم...). ولكن للآيات القرآنية - كما قلنا مراراً - معنىً واسعاً في الغالب، ولها مصاديق متعددة ومختلفة، وفي الآية الحاضرة - أيضاً - يمكن إستفادة جميع هذه المعاني منها. وحيث أنّ لباس التقوى في هذه الآية موضوع في مقابل اللباس الساتر للبدن، لهذا يبدو للنظر أنّ المراد منه هو "روح التقوى" التي تحفظ الإنسان، وتنطوي تحتها معاني "الحياء" و"العمل الصالح" وأمثالهما. ثمّ إنّ الله تعالى يقول في ختام الآية: (ذلك من آيات الله لعلهم يذكرون) أي إنّ هذه الألبسة التي جعلها الله لكم، سواء الألبسة المادية أو المعنوية، اللباس الجسماني أو لباس التقوى، كلّها من آيات الله ليتذكر الناس نعم الربّ تعالى. نزول اللباس! نلاحظ في آيات متعددة من القرآن الكريم أنّ الله سبحانه يقول في صعيد توفير اللباس للبشر: "وأنزلنا" وهو بمعنى الإرسال من مكان عال إلى الأسفل، إذ يقول: (قد أنزلنا عليكم لباساً) في حين أنّ اللباس كما هو المعلوم أمّا أنّه يُتَّخَذ من الصوف، أو يتّخذ من مواد نباتيّة وما شاكل ذلك من أشياء الأرض. كما أننا نقرأ في الآية (رقم 6) من سورة الزمر (وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج) وفي سورة الحديد الآية (35) (وأنزلنا الحديد). فماذا يعني هذا؟ يصرّ كثير من المفسّرين على تفسير مثل هذه الآيات بالنّزول المكاني أي من فوق إلى تحت، مثلا يقولون: إنّ ماء المطر ينزل من السماء إلى الأرض فتروى منه النباتات والحيوانات، من هنا تكون مواد اللباس قد نزلت - بهذا المعنى - من السماء إلى الأرض. وفي مجال الحديد أيضاً يقولون: إنّ الأحجار والصخور السماوية العظيمة التي تحتوي على عناصر الحديد قد انجذبت إلى الأرض. ولكن النّزول ربّما استعمل بمعنى النّزول المقامي، وقد استعملت هذه اللفظة في المحاورات اليومية بهذا الشكل كثيراً، فيقال مثلا: أصدر الحاكم أمره إلى أمرائه ومعاونيه، أو يقال: رفعت شكواي إلى القاضي، لهذا لا داعي إلى الإصرار على تفسير هذه الآيات بالنّزول المكاني. فحيث أنّ النعم الإلهية قد صدرت من المقام الرّبوبي الرفيع إلى البشر، لهذا عُبّرَ عن هذا المفهوم بهذا اللفظ، وهو تعبير يدركه الإنسان بدون إشكال أو صعوبة. ويُشبه هذا الموضوع ما نلاحظه في ألفاظ الإشارة القريبة والبعيدة أيضاً، فقد يكون شيء ما ذا بال أو موضوع مهمّ في متناول أيدينا، ولكنّه - لما كان من حيث الشأن - يتمتّعِ بمقام مهمّ رفيع، فإنّنا نشير إليه بإسم الإشارة البعيد، فنقول في محاوراتنا مثلا: تلك الشّخصية، ونحن نقصد رجلا حاضراً قريباً، وقد جاء في القرآن الكريم: (ذلك الكتاب لا ريب منه). والمقصود من الكتاب المشار إليه بالإشارة البعيدة القرآن الحاضر، ولكن تعظيماً له أستعيض في الإشارة إليه عن أداة الإشارة القريبة بأداة الإشارة البعيدة. اللباس في الماضي والحاضر: لم يزل الإنسان فيما مضى - كما يشهد به التاريخ - يلبس الثياب، ولكن الألبسة قد تغيرت وتنوعت تنوعاً بالغاً عبر الزمن، فقد كانت الثياب تلبس فيما سبق - و في الأغلب - لأجل حفظ الجسم من الحرّ و القرّ وكذا للزينة والتجمل، والجانب الوقائي كان يأتي في الدرجة اللاحقة، ولكن في ظل الحياة الصناعية الحاضرة أصبح الجانب الوقائي في المرتبة الأُولى من الأهمية في كثير من الحقول، فرجال الفضاء ورجال الإطفاء، وعمال المعادن والمناجم والغواصون، وغيرهم كثيرون، يستخدمون ألبسة خاصّة لوقاية أنفسهم من مختلف الأخطار. لقد تطورت وسائل إنتاج الألبسة والثياب في عصرنا الراهن تطوراً هائلا، واتسع نطاقها اتساعاً كبيراً، بحيث أصبح لا يقاس بما مضى. يقول كاتب تفسير المنار في المجلد الثّامن عند تفسير الآية المبحوثة هنا: "لقد بلغ من إتقان صناعات اللباس أنّ عاهل ألمانية الأخير (قيصرها) دخل مرّة أحد معامل الثياب ليشاهد ماوصلت إليه من الإتقان، فجزوا أمامه عند دخوله صوف بعض كباش الغنم، ولما انتهى من التجوال في المعمل ومشاهدة أنواع العمل فيه، وأراد الخروج قدّموا له معطفاً ليلبسه تذكاراً لهذه الزيارة، وأخبروه أنّه صنع من الصوف الذي جزوه أمامه عند دخوله، فهم قد نظفوه في الآلات المنظِّفة، فغزلوه بآلات الغزل، فنسجوه بآلات النسج، ففصَّلوه فخاطوه في تلك الفترة القصيرة، فانتقل في ساعة أو ساعتين من ظهر الخروف إلى ظهر الإمبراطور". (1) ولكن - للأسف - قد اتسعت الجوانب الفرعية، بل وغير المحمودة والفاضحة للثياب والألبسة و تعددت كثيراً إلى درجة أنّها غطت على الفلسفة الأصلية للباس. لقد أصبح اللباس - اليوم - وسيلة لأنواع التظاهر، وإشاعة الفساد، وتحريك الشهوات، والتكبر والإسراف والتبذير، وما شابه ذلك. حتى أنّنا ربّما نشاهد ألبسة يرتديها جماعات من الناس - وبخاصّة الشباب المتغرب - يفوق طابُعها الجنوني على الطابع العقلاني، وتكون أشبه بكل شيء إلاّ باللباس والثوب. والذي تقود إليه الدراسة الموضوعية لهذه الظاهرة، هو أنّ للعُقد النفسية دوراً مهمّاً في إرتداء مثل هذه الألبسة العجيبة الغريبة، فالأفراد الذين لا يتمكنون من القيام بعمل مهم و ملفت للنظر لتوكيد وجودهم في المجتمع يلجأون إلى هذا الاسلوب ويحاولون بإرتداء هذه الألبسة غير المأنوسة والعجيبة إثبات وجودهم وحضورهم، ولهذا نلاحظ أنّ أصحاب الشخصيات المحترمة، أو الذين لا يعانون من عقد نفسيّة ينفرون من إرتداء مثل هذه الثياب. وعلى كل حال فإنّ مبالغ طائلة وثروات عظيمة جدّاً تهدر و تبدّد - اليوم - في سبيل اقتناء وتعاطي الألبسة المتنوعة والموضات المختلفة ولو منع من تبذيرها و تبديدها والإسراف فيها لأمكن حل الكثير من المشكلات الإجتماعية بها، ولتحولت إلى بلاسم وضمادات ناجعة لكثير من جراحات الطبقات المحرومة والفئات البائسة الفقيرة في المجتمعات البشرية. هذا ويستفاد من تاريخ حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وسائر الأئمّة العظام أنّهم كانوا يعارضون بشدّة مسألة التفاخر بالألبسة والإفراط في التجمل بها، إلى درجة أنّنا نقرأ في الرّوايات أنّ وفداً من النصارى قدم على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) المدينة، وهم يلبسون الألبسة الحريرية الجميلة جداً، والتي لم يرها العرب إلى ذلك اليوم ولم يعهد أن لبسوها، فلما حضروا عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سلموا عليه، لم يردَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على سلامهم، بل أحجم حتى عن التحدث معهم ولو بكلمة، وأعرض عنهم، فلمّا سألوا عليّاً (عليه السلام) عن سبب إعراض النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عنهم، قال (عليه السلام) لهم: أرى أن تضعوا حللكم هذه وخواتيمكم ثمّ تعودون إليه. ففعل النصارى ما قاله لهم الإمام (عليه السلام)، ثمّ دخلوا على النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فسلّموا عليه فردّ عليهم وتحدث معهم. ثمّ قال النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : "والذي بعثني بالحق لقد أتوني المرّة الأُولى وإنّ إبليس لمعهم". (2) ﴿يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا﴾ خلقناه لكم بأسبأب سماوية ومثله وأنزلنا الحديد ﴿يُوَارِي﴾ يستر ﴿سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا﴾ جمالا أي ما يتجملون به أو مالا يقال تريش أي تمول ﴿وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ﴾ خشية الله أو الإيمان أو العمل الصالح أو لباس الحرب ﴿ذَلِكَ خَيْرٌ﴾ لهم ﴿ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ﴾ فيؤمنون ويشكرون.