التّفسير
الحديث في هاتين الآيتين يتناسب مع قصّة آدم في الجنّة، وكذلك يتناول مسألة اللباس وسائر مواهب الحياة، وكيفية الإستفادة الصحيحة منها.
في البداية يأمر جميع أبناء آدم ضمن دستور عام أبدي، يشمل جميع الأعصار والقرون، أن يتخذوا زينتهم عندما يذهبون إلى المساجد (يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد).
هذه الجملة يمكن أن تكون إشارة إلى كل "زينة جسمانية" ممّا يشمل لبس الثياب المرتبة الطاهرة الجميلة، ومشط الشعر، واستعمال الطيب والعطر وما شابه ذلك كما يمكن أيضاً أن تكون إشارة إلى كل "زينة معنوية" يعني الصفات الإنسانية والملكات الأخلاقية، وصدق النية وطهارتها وإخلاصها.
وإذا رأينا أنّ بعض الرّوايات الإسلامية تشير - فقط - إلى اللباس الجيّد أو مشط الشعر، أو إذا رأينا أنّ بعضها الآخر يتحدث - فقط - عن مراسيم صلاة العيد وصلاة الجمعة، فإنّ ذلك لا يدل على الإنحصار، بل الهدف هو بيان مصاديقها الواضحة (1).
وهكذا إذا رأينا أنّ طائفة أُخرى من الرّوايات تفسر الزينة بالقادة الصالحين (2)، فإنّ كل ذلك يدل على سعة مفهوم الآية الذي يشمل جميع أنواع الزينة الظاهرية والباطنية.
وهذا الحكم وإن كان يتعلق بجميع أبناء آدم في كل زمان ومكان، إلاّ أنّه ينطوي ضمناً على ذم عمل قبيح كان يقوم به جماعة من الأعراب في العهد الجاهلي عند دخولهم في المسجد الحرام والطواف بالكعبة المعظمة، حيث كانوا يطوفون بالبيت المعظم عراةً من دون ساتر يستر عوراتهم، كما أنّه يتضمن - أيضاً - نصيحة لأولئك الذين يرتدون عند إقامة الصلاة أو الدخول إلى المساجد ثياباً وسخة خلقة أو ألبسة تخصّ المنزل، ويشتركون في مراسيم عبادة وهم على تلك الهيئة المزرية، الأمر الذي نشاهده اليوم - وللأسف - بين بعض الغفلة السذج من المسلمين، في حين أننا مكلّفون - طبقاً للآية الحاضرة، والرّوايات الواردة في هذا الصعيد - بأن نرتدي لدى ارتيادنا للمساجد أفضل ثيابنا وألبستنا.
ثمّ في العبارة اللاحقة يشير سبحانه إلى مواهب أُخرى، يعني الأطعمة والأشربة الطاهرة الطيبة، ويقول: (وكلوا واشربوا).
ولكن حيث أنّ الإنسان حريص بحكم طبيعته البشرية، يمكن أن يسيء استخدام هذين التعليمين، وبدل أن يستفيد من نعمة اللباس والغذاء الصحيح بالشكل المعقول والمعتدل، يسلك سبيل الإسراف والتبذير والبذخ، لهذا أضاف مباشرة قائلا: (ولا تسرفوا إنّ الله لا يحبّ المسرفين).
وكلمة "الإسراف" كلمة جامعة جدّاً بحيث تشمل كل إفراط في الكم والكيف، وكذا الأعمال العابثة والإتلاف وما شابه ذلك، وهذا هو أسلوب القرآن خاصّة، فهو عند الحث على الإستفادة من مواهب الحياة والطبيعة يحذّر فوراً من سوء إستخدامها، ويوصي برعاية الإعتدال.
﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ قُلْ﴾ لباسكم لستر عورتكم وللتجمل ﴿عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾ لصلاة أو طواف ويفيد وجوب ستر العورة فيهما، وروي أجود ثيابكم في كل صلاة وروي التمشط عند كل صلاة، وروي الغسل عند لقاء الإمام ﴿وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ﴾ ما طاب وأحل لكم ﴿وَلاَ تُسْرِفُواْ﴾ لا تتعدوا بتحريم حلال وبالعكس في المأكل والمشرب والملبس أو بالشره في الطعام جمع الله الطب في نصف آية كلوا واشربوا ولا تسرفوا ﴿إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾.