التّفسير
الطّمأنينة الكاملة والسّعادة الخالدة:
إنّ أُسلوب القرآن - كما أشرنا إلى ذلك سابقاً - هو عرض الطوائف المختلفة وبيان مصائرها جنباً إلى جنب لتأكيد الموضوع، وشرح أوضاعها عن طريق المقارنة والمقايسة بينها.
ولقد كان البحث في الآيات السابقة حول المكذبين لآيات الله، والمستكبرين والظالمين، وهنا يشرح ويبيّن المستقبل المشرق للمؤمنين إذ يقول: (والذين آمنوا وعملوا الصّالحات... أُولئك أصحاب الجنّة هم فيها خالدون).
وقد أتى بين المبتدأ والخبر بجملة معترضة (1).
توضّح الكثير من الإبهامات إذ يقول: (لا نكلّف نفساً إلاّ وسعها).
وهذه الجملة تؤكّد بأنّه لا ينبغي لأحد أن يتصور بأن الايمان بالله، والإتيان بالعمل الصالح وسلوك سبيل المؤمنين، أمر متعسر غير مقدور إلاّ لأفراد معدودين، لأنّ التكاليف الإلهية في حدود الطاقة البشرية وليست أكثر منها، وبهذا فتح الطريق في وجه كل أحد عالماً كان أو جاهلا، صغيراً كان أو كبيراً، ودعا الجميع إلى اللحاق بهذا الصف، فالمطلوب من كل أحد العمل بمقدار قابليته الفكرية والبدنية وإمكانياته.
إنّ هذه الآية - مثل سائر الآيات القرآنية - تحصر وسيلة النجاة والسعادة الأبدية في الإيمان والعمل الصالح، وهكذا تفنَّد العقيدة النّصرانية المحرفة الذين يعتبرون صلب المسيح في مقابل ذنوب البشر وسيلة للنجاة، ويقولون: إنّه قربان لخطايا الإنسانية.
إنّ إصرار القرآن الكريم على مسألة الإيمان والعمل الصالح، في الآيات المختلفة لتفنيد هذه المقولة وأمثالها.
﴿وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ﴾ وعد بعد الوعيد ﴿لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا﴾ ما دون طاقتهما من العمل ﴿أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾.