لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
التّفسير المواجهة بين موسى وفرعون: بعد ذكر قصص ثلة من الأنبياء العظام باختصار في الآيات السابقة بيّن تعالى في هذه الآيات والآيات الكثيرة اللاحقة قصّة موسى بن عمران، وما جرى بينه وبين فرعون وملئه وعاقبة أمره. وعلّة بيان هذه القصّة بصورة أكثر تفصيلا من قصص الأنبياء الآخرين في هذه السورة قد تكون لأجل أنّ اليهود أتباع موسى بن عمران كانوا أكثر من غيرهم في بيئة نزول القرآن، وكان إرشادهم إلى الإسلام أوجب. (1) وثانياً: لأنّ قيام النّبي الأكرم كان أشبه بقيام موسى بن عمران من غيره من الأنبياء. وعلى كل حال فإنّ هذه القصة الزاخرة بالعبر قد أشير إلى فصول أُخرى منها أيضاً في سور أُخرى، مثل: سورة البقرة، طه، الشعراء، النمل، القصص، وسور أُخرى، ولو أنّنا درسنا آيات كل سورة على حدة، ثمّ وضعناها جنباً إلى جنب لم نلحظ فيها جانب التكرار على خلاف ما يتصوره البعض، بل ذكر من هذه الملحمة التاريخية في كل سورة ما يناسبها من البحث للاستشهاد به. وحيث أنّ مصر كانت أوسع، وكان لشعبها حضارة أكثر تقدماً من قوم نوح وهود وشعيب وما شابههم، وكانت مقاومة الجهاز الفرعوني - بنفس النسبة - أكثر وأكبر، ولهذا تمتع قيام موسى بن عمران بأهمية أكبر، وحوى عبراً ونكات أكثر، وقد ركّز القرآن الكريم على النقاط البارزة المختلفة من حياة موسى وبني إسرائيل بمناسبات مختلفة. وعلى العموم يمكن حصر وتلخيص حياة هذا النّبي الإِلهي العظيم في خمس دورات ومراحل: ا - مرحلة الولادة، وما جرى عليه من الحوادث حتى ترعرعه في البلاط الفرعون. 2 - مرحلة فراره من مصر، وحياته في أرض "مدين" في كنف النّبي شعيب (عليه السلام). 3 - مرحلة بعثته، ثمّ المواجهات الكثيرة بينه وبين فرعون وجهازه. 4 - مرحلة نجاته ونجاة بني إسرائيل من مخالب فرعون، والحوادث التي جرت عليه في الطريق، وعند وروده إلى بيت المقدس. 5 - مرحلة مشاكله مع بني إسرائيل. ويجب الإنتباه إلى أن القرآن الكريم تناول في كل سورة من سور قسماً - أو عدّة أقسام - من هذه المراحل الخمس. ومن تلك الآيات التي تناولت جوانب من قصّة موسى (عليه السلام) هذه الآيات، وعشرات الآيات الأخر من هذه السورة، وهي تشير إلى مراحل مابعد بعثة موسى بن عمران بالنبوة. ولهذا فإنّنا نوكل الأبحاث المتعلقة بالمراحل السابقة على هذه المرحلة إلى حين تفسير الآيات المرتبطة بتلك الأقسام في السور الأُخرى، وبخاصّة سورة القصص. في الآية الأُولى من الآيات الحاضرة يقول تعالى: (ثمّ بعثنا من بعدهم موسى بآياتنا إلى فرعون وملائه) أي من بعد قوم نوح وهود وصالح. ويجب الإلتفات إلى أنّ "فرعون" اسم عام، وهو يطلق على كل ملوك مصر، كما يطلق على ملوك الروم "قيصر" وملوك فارس "كسرى". ولفظة "الملأ" - كما أشرنا إلى ذلك فيما سبق - تعني الأعيان والأشراف الذين يملأون ببريقهم وظواهرهم الباذخة العيون، ولهم حضور ملفت للنظر في جميع ميادين المجتمع. والسر في إرسال موسى في بداية الدعوة إلى فرعون وملأه هو أنّه علاوة على أنّ إحدى برامج موسى كان هو نجاة بني اسرائيل من براثن استعمار الفراعنة وتخليصهم من أرض مصر - وهذا لا يمكن أن يتم من دون الحوار مع فرعون - إنّما هو لأجل أن المفاسد الإجتماعية وانحراف البيئة لا تعالج بمجرّد الإِصلاحات الفردية والموضعية فقط، بل يجب أن يُبدأ بإصلاح رؤوس المجتمع وقادته الذين يمسكون بأزمة السياسة والإقتصاد والثقافة، حتى تتهيأ الأرضية لإِصلاح البقية، كما يقال عرفاً: إنّ تصفية الماء يجب أن تكون من المنبع. وهذا هو الدرس الذي يعطيه القرآن الكريم لجميع المسلمين، لإِصلاح المجتمعات الإسلامية. ثمّ يقول تعالى: (فظلموا بها). ونحن نعلم أنّ لفظ الظلم بالمعنى الواسع للكلمة هو: وضع الشيء في غير محلّة، ولا شك في أن الآيات الإِلهية توجب أن يسلّم الجميع لها، وبقبولها يصلح الإِنسان نفسه ومجتمعه، ولكن فرعون وملأه بإنكارهم لهذه الآيات ظلموا هذه الآيات. ثمّ يقول تعالى في ختام الآية: (فانظر كيف كان عاقبة المفسدين). وهذه العبارة إشارة إجمالية إلى هلاك فرعون وقومه الطغاة المتمردين، الذي سيأتي شرحه فيما بعد. وهذه الآية تشير إشارة مقتضبة إلى مجموع برنامج رسالة موسى، وما وقع بينه وبين فرعون من المواجهة وعاقبة أمرهم. ﴿ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم﴾ بعد الرسل والأمم ﴿مُّوسَى بِآيَاتِنَا﴾ المعجزات ﴿إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ﴾ أي أشراف قومه ﴿فَظَلَمُواْ بِهَا﴾ بوضعها غير موضعها فأبدلوا الإيمان بها بالكفر ﴿فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ﴾ بالكفر من إهلاكهم.