ثمّ إنّ الآية اللاحقة تشير إلى المعجزة الثّانية للنّبي موسى (عليه السلام) التي لها طابع الرجاء والبشارة، يقول تعالى: (ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين).
"نزع" تعني في الأصل أخذ شيء من مكان، مثلا أخذ العباءة من الكتف واللباس عن البدن يعبر عنه في اللغة العربية بالنزع فيقال: نزع ثوبه ونزع عباءته، وهكذا أخذ الروح من البدن يطلق عليه النزع.
وبهذه المناسبة قد يستعمل في الإستخراج، وقد جاءت هذه اللفظة في الآية الحاضرة بهذا المعنى.
ومع أنّ هذه الآية لم يرد فيها أي حديث عن محل إخراج اليد، ولكن من الآية (32) من سورة القصص (اُسلك يدك في جيبك تخرج بيضاء) يستفاد أنّ موسى كان يدخل يده في جيبه ثمّ يخرجها ولها بياض خاص، ثمّ تعود إلى سيرتها وحالتها الأُولى.
ونقرأ في بعض الأحاديث والرّوايات والتفاسير أنّ يد موسى كانت مضافاً إلى بياضها تشعّ بشدّة، ولكن الآيات القرآنية ساكتة عن هذا الموضوع، مع عدم تناف بينهما.
إنّ هذه المعجزة والمعجزة السابقة حول العصا - كما قلنا سابقاً - ليس لها جانب طبيعي وعادي، بل هي من صنف خوارق العادة التي كان يقوم بها الأنبياء، وهي غير ممكنة من دون تدخل قوة فوق طبيعية في الأمر.
وهكذا أراد موسى بإظهار هذه المعجزة أن يوضح هذه الحقيقة، وهي أن برامجه ليس لها جانب الترهيب والتهديد، بل الترهيب والتهديد للمخالفين والمعارضين، والتشويق والإصلاح والبناء والنورانية للمؤمنين.
﴿وَنَزَعَ يَدَهُ﴾ أخرجها من جيبه ﴿فَإِذَا هِيَ بَيْضَاء﴾ ذات شعاع يغلب نور الشمس ﴿لِلنَّاظِرِينَ﴾ خلاف نورها من الأدمة.