الإستفادة من السلاح المشابه
من هذا البحث يستفاد - بجلاء ووضوح - أنّ فرعون بالنظر إلى حكومته العريضة في أرض مصر، كانت له سياسات شيطانية مدروسة، فهو لم يستخدم لمواجهة موسى وأخيه هارون من سلاح التهديد والإِرعاب، بل سعى للاستفادة من أسلحة مشابهة - كما يظن - في مواجهة موسى، ومن المسلّم أنّه لو نجح في خطّته لما بقي من موسى ودينه أي أثر أو خبر، ولكان قتل موسى (عليه السلام) في تلك الصورة أمراً سهلا جداً، بل وموافقاً للرأي العام، جهلا منه بأنّ موسى لا يعتمد على قوة إنسانية يمكن معارضتها ومقاومتها، بل يعتمد على قوّة أزلية إلهية مطلقة، تحطّم كلّ مقاومة، وتقضي على كل معارضة.
وعلى أية حال، فإنّ الإستفادة من السلاح المشابه أفضل طريق للإنتصار على العدو المتصلّب، وتحطيم القوى المادية.
في هذه اللحظة التي اعترت الناس فيها حالة من النشاط والفرح، وتعالت صيحات الإِبتهاج من كل صوب، وعلت وجوه فرعون وملائه ابتسامة الرضى، ولمع في عيونهم بريق الفرح، أدرك الوحي الإلهي موسى (عليه السلام) وأمره بإلقاء العصى، وفجأة انقلب المشهد وتغير، وبدت الدهشة على الوجوه، وتزعزت مفاصل فرعون وأصحابه كما يقول القرآن الكريم: (وأوحينا إلى موسى أن ألق عصاك فإذا هي تلقف ما يأفكون).
و"تلقف" مشتقة من مادة "لَقْف" (على وزن سَقف) بمعنى أخذ شىء بقوة وسرعة، سواء بواسطة الفم، والأسنان، أو بواسطة الأيدي، ولكن تأتي في بعض الموارد بمعنى البلع والإبتلاع أيضاً، والظاهر أنّها جاءت في الآية الحاضرة بهذا المعنى.
و "يأفكون" مشتقّة من مادة "إفك" على وزن "مسك" وهي تعني في الأصل الإنصراف: عن الشيء، وحيث أن الكذب يصرف الإنسان من الحق أطلق على الكذب لفظ "الإفك".
﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ﴾ فألقاها فصارت حية ﴿فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ﴾ ما يقلبونه عن وجهه بالتمويه.