لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
ولكن بدل أن يستوعب "آل فرعون" هذه الدروس الإلهية، ويستيقظوا من غفلتهم وغفوتهم العميقة، أساءوا استخدام هذا الظرف والحالة، وفسّروها حسب مزاجهم، فإذا كانت الأحوال مؤاتية ومطابقة لرغبتهم، وكانوا يعيشون في راحة واستقرار قالوا: إنّ الوضع الحسن هو بسبب جدارتنا، وصلاحنا (فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه). ولكن عندما تنزل بهم النوائب فإنّهم ينسبون ذلك إلى موسى (عليه السلام) وجماعته فوراً ويقولون هذا من شومهم: (وإن تصبهم سيئةٌ يطّيروا بموسى ومن معه). و"يطّيروا" مشتقة من مادة "تطيُّر" بمعنى التشاؤم، وأصلها من الطير، فقد كان العرب غالباً ما يتشاءمون بواسطة الطيور. وربّما تشاءموا بصوت الغراب، أو بطيران الطير، فإذا طار من ناحية اليسار اعتبروا ذلك علامة الشقاء والفشل، وكلمة التطير تعني مطلق التشاؤم. ولكن القرآن الكريم قال في معرض الردّ عليهم: اعلموا أنّ منشأ كل شؤم وبلاء أصابكم انّما هو من قبل الله، وأنّ الله تعالى أراد أن تصيبكم نتيجة أعمالكم المشؤومة، ولكن أكثرهم لا يعلمون (ألا إنّما طائرهم عندالله ولكن أكثرهم لا يعلمون). والجدير بالتأمل أن هذا النمط من التفكير لم يكن خاصاً بالفرعونيين، بل هو أمر نلاحظه بوضوح الآن بين الشعوب المصابة بالأنانية والضلال، فهي - بغية قلب الحقائق، وخداع ضميرها أو ضمائر الآخرين - كلما أصابها نجاح وتقدم اعتبرت ذلك ناشئاً من جدارتها وكفاءتها، وإن لم يَكن في ذلك النَجاح والتقدم أدنى شيء من تلك الكفاءة والجدارة، وبالعكس إذا أصابها أي إخفاق وشقاء نسبت ذلك فوراً إلى الأجانب وإلى أيادي العدو الخفيّة أو المكشوفة، وإن كانوا هم بأنفسهم سبب ذلك الشقاء والإخفاق. يقول القرآن الكريم: إنّ أعداء الرّسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) كانوا يتوسلون بمثل هذا المنطق أيضاً في مقابل رسول الله (كما نقرأ في الآية 78 من سورة النساء). وفي مكان آخر يقول: إنّ المنحرفين هم هكذا (كما في سورة فصلت الآية 50) وهذا في الحقيقة هو أحد مظاهر الأنانية واللجاج البارز. (1) التفاؤل والتشاؤم (الفأل والطيرة): مسألة التطيّر والتفاؤل والتشاؤم قد تكون منتشرة في مختلف المجتمعات البشرية، فيتفاءلون بأُمور وأشياء ويعتبرونها دليل النجاح، ويتشاءمون بأمور وأشياء ويعتبرونها آية الهزيمة والفشل. في حين لا توجد أية علاقة منطقية بين النجاح والإخفاق وبين هذه الأُمور، وبخاصّة في مجال التشاؤم حيت كان له غالباً جانب خرا في غير معقول. إنّ هذين الأمرين وإن لم يكن لهما أي أثر طبيعي إلاّ أنّه يمكن أن يكون لهما أثر نفسي لا ينكر، وإنّ التفاؤل غالباً يوجب الأمل والتحرك، والتشاؤم يوجب اليأس والوهن والتراجع. ولعله لأجل هذا لم يُنْه في الرّوايات والأحاديث الإسلامية عن التفاؤل، بينما نهي عن التشاؤم بشدّة، ففي حديث معروف مروي عن النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: "تفاءلوا بالخير تجدوه" وقد شوهد في أحوال النّبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) الهداة (عليهم السلام) - أنفسهم - أنّهم ربّما تفاءلوا بأشياء، مثلا عندما كان المسلمون في "الحديبية" وقد منعهم الكفار من الدخول إلى مكّة جاءهم "سهيل بن عمرو" مندوب من قريش، فلمّا علم النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بإسمه قال متفاءلا باسمه: "قد سهل عليكم أمركم" (2). وقد أشار العالم المعروف "الدميري" وهو من كتّاب القرن الثامن الهجري، في إحدى كتاباته إلى نفس هذا الموضوع، وقال: إنّما أحب النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الفأل لأنّ الإنسان إذا أمل فضل الله كان على خير، وإن قطع رجاءه من الله كان على شر، والطيرة فيها سوء ظن وتوقع للبلاء (3). ولكن في مجال التشاؤم الذي يسمّيه العرب "التطير" و"الطيرة" ورد في الأحاديث الإِسلامية - كما أسلفنا - ذم شديد، كما أُشير إليه في القرآن الكريم مراراً وتكراراً أيضاً، وشجب بشدّة (4). ومن جملة ذلك ما روي عن النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: "الطيرة شرك" (5) وذلك لأن من يعتقد بالطيرة كأنّه يشركها في مصير الإنسان. وتشير بعض الأحاديث أنّه إذا كان للطيرة أثر سيء فهو الأثر النفسي، قال الإمام الصادق (عليه السلام) : "الطيرة على ما تجعلها، إن هونتها تهونت، وإن شددتها تشدّدت، وإن لم تجعلها شيئاً لم تكن شيئاً" (6). وورد أنّ طريقة مكافحة الطيرة تتمثل في عدم الإِعتناء بها، فقد روي عن النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: "ثلاث لا يسلم منها أحد: الطيرة والحسد والظن. قيل: فما نصنع؟ قال: إذا تطيرت فامض (أي لا تعتنِ بها) وإذا حسدت فلا تبغ (أي لا تعمل بوحي منه شيئاً) وإذا ظننتَ فلا تحقق". والعجيب أنّ مسألة الفأل والطيرة كانت ولا تزال موجودة حتى في البلاد الصناعية المتقدمة، وفي أوساط من يسمّون بالمثقفين، بل وحتى النوابغ المعروفين، ومن جملتها: يعتبر المرور من تحت السلم عند الغربيين - وسقوط المملحة، وإهداء سكين، أموراً يتشاءم بها بشدّة. على أنّ وجود الفأل الجيد - كما قلنا - ليس مسألة مهمّة، بل لها غالباً آثارٌ حسنة طيبة، ولكن يجب مكافحة عوامل التشاؤم وفكرة الطيرة، ونبذها من الأذهان، وأفضل وسيلة لمكافحتها هي تقوية روح التوكل، والثقة بالله والإِعتماد عليه كما أشير إلى ذلك في الأحاديث الإِسلامية. ﴿فَإِذَا جَاءتْهُمُ الْحَسَنَةُ﴾ السعة والسلامة أو الخصب والرخاء ﴿قَالُواْ لَنَا هَذِهِ﴾ استحقاقا ﴿وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ﴾ حروب وبلاء أو جدب ﴿يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَى وَمَن مَّعَهُ﴾ يتشاءموا بهم ويقولون ما أصابنا إلا بشؤمهم ﴿أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ﴾ سبب خيرهم وشرهم ﴿عِندَ اللّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ ذلك وذكرت الحسنة معرفة مع إذا لكثرة وقوعها والسيئة منكرة مع أن لندورها.