وآخر هذه الآيات تبيّن - من خلال جملتين قصيرتين - عاقبة كلّ هذا التعنت، ونقض العهد، فتقول بصورة مجملة (فانتقمنا منهم).
ثمّ تشرح هذا الإنتقام وتذكر تفصيله (فأغرقناهم في إليم بأنّهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين) (2).
إنّهم لم يكونوا غافلين واقعاً، لأنّ موسى (عليه السلام) ذكّرهم مراراً وبالوسائل المختلفة المتعددة ونبههم، بل أنّهم تصرّفوا عملياً كما يفعل الغافلون، فلم يعتنوا بآيات الله أبداً.
ولا شك أن المقصود من الإنتقام الإِلهي ليس هو أنّ الله كان يقوم بردّ الفعل في مقابل أعمالهم، كما يفعل الأشخاص الحاقدون الذين ينطلقون في ردود أفعالهم من مواقع الحقد والإنتقام، بل المقصود من الإِنتقام الإِلهي هو أن الجماعة الفاسدة وغير القابلة للإِصلاح لا يحق لها الحياة في نظام الخلق، ولابدّ أن تمحى من صفحة الوجود.
والإِنتقام في اللغة العربية - كما أسلفنا - يعني العقوبة والمجازاة، لا ما هو شائع في عرف الناس اليوم.
﴿فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ﴾ البحر ﴿بِأَنَّهُمْ﴾ بسبب أنهم ﴿كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ﴾ معرضين حتى صاروا كالغافلين عنها أو عن النقمة بقرينة فانتقمنا.