لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
الآية التالية تؤكد مفهوم قدرة الله سبحانه وتعالى وحاكميته في السماوات والأرض وفي الأحكام، فهو البصير بمصالح عباده: ﴿أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالاَْرْضِ﴾، وفي هذه العبارة من الآية أيضاً تثبيت لقلوب المؤمنين، كي لاتتزلزل أمام حملات التشكيك هذه، وتستمر الآية في تعميق هذا التثبيت، مؤكدة أن المجموعة المؤمنة ينبغي أن تعتمد على الله وحده، وتستند إلى قوته وقدرته دون سواه، فليس في هذا الكون سند حقيقي سوى الله سبحانه: ﴿وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَليٍّ وَلاَ نَصِير﴾. بحوث 1 - هل يجوز النّسخ في الأحكام؟ النسخ في اللغة الإِزالة، وفي الإِصطلاح تغيير حكم شرعي واحلال حكم آخر محله، من ذلك: 1 - المسلمون كانوا يصلون بعد الهجرة تجاه بيت المقدس، واستمروا على ذلك ستة عشر شهراً، ثم نزل الأمر بتغيير القبلة، فوجب على المسلمين أن يصلوا تجاه الكعبة. 2 - الآية 15 من سورة النساء قررت معاقبة الزانية بعد شهادة أربعة شهود يبإمساكها في البيت حتى الوفاة، أو يجعل الله لها سبي، والآية الثانية من سورة النور نسخت الآية المذكورة وبدّلت الحكم بمائة جلدة. وهنا يطرح سؤال معروف بشأن سبب النسخ يقول: لو كان في الحكم مصلحة فلماذا نُسخ؟ وإن لم يكن كذلك فلماذا شُرع ؟ لماذا لم تطرح الشريعة منذ البداية حكماً غير قابل للنسخ؟ علماء الإِسلام أجابوا منذ القديم على هذا السؤال، وتقرير هذا الجواب باختصار كما يلي: نعلم أن بعض احتياجات الإِنسان ثابتة لا تقبل التغيير، لأنها ترتبط بفطرة الإِنسان وطبيعته، وبعضها الآخر تتغير بتغير الزمان وظروف البيئة، وهذه المتغيرات قد تضمن سعادة الإِنسان في زمن معين، لكنها تصبح عقبة أمام تقدم الفرد في زمان آخر. قد يكون نوع من الدواء نافعاً للمريض في ظرف زمني معين، وقد لا يكون نافعاً - بل ضاراً - في مرحلة نقاهة المريض، لذلك يأمر الطبيب بدواء في وقت، ثم يأمر بقطعه والإِمتناع عن تناوله في وقت آخر. قد يكون درس معين مفيداً للطالب في مرحلة دراسية معينة، لكن هذا الدرس يصبح عديم الفائدة في المراحل الدراسة التالية. المنهج التعليمي الصحيح ينبغي أن ينظم الدروس بشكل يتناسب مع حاجة الطالب في كل مرحلة من مراحله الدراسية. هذه المسألة تتضح أكثر في إطار القانون اللازم لتكامل الإِنسان والمجتمع الإِنساني، هذا القانون لابدّ أن يتضمن متغيرات كي يكون المنهج التكاملي مفيداً لكل مراحل مسيرة المجتمع. وتزداد أهمية هذه التغييرات عند اندلاع الثورات الإِجتماعية والعقائدية، وتزداد ضرورة مواكبة متطلبات التغيير في كل مرحلة من مراحل الثورة. لابدّ من التأكيد أنّ اُصول الأحكام الإِلهية ثابتة لا يعتريها التغيير، فالتوحيد والعدالة الإِجتماعية وسائر الاُصول والمبادىء المشابهة ثابتة لا تتغير، وإنما يطرأ التغيير على المسائل الفرعية والثانوية. ومن الضروري أن نؤكد أيضاً أن تكامل الدين قد يبلغ مرحلة يصبح فيها (الدين الخاتم)، وتصبح جميع أحكامه ثابتة لا تقبل التغيير (سنشرح مسألة خاتمية الرسالة في تفسير الآية 40 من سورة الأحزاب). اليهود، مع اعتراضهم على المسلمين بشأن نسخ حكم القبلة الاُولى، أقرّوا النسخ في الاحكام الإِلهيّة، واستناداً إلى ما جاء في مصادرهم الدينية. يتذكر التوراة أن كل الحيوانات كانت ح لنوح (عليه السلام) حين نزل من سفينته، لكن هذا الحكم نُسخ في شريعة موسى، وحرّم قسم من الحيوانات. 2 - المقصود من الآية: الآية في اللغة العلامة، وفي القرآن لها معان متعددة: 1 - مقاطع من القرآن، مفصولة عن بعضها بعلائم خاصة، وهذا المعنى للآية نجده في قوله تعالى: ﴿تِلْكَ آيَاتُ اللهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ﴾. 2 - المعجزة سميت في القرآن آية كقوله سبحانه: ﴿وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوء الآية أُخْرى﴾. 3 - الدليل على وجود الله أو المعاد كقوله: ﴿وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ﴾ وقوله: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أنَّكَ تَرَى الاَْرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَُمحْيِ الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ﴾. 4 - الأشياء البارزة الملفتة للأنظار كالأبنية الشاهقة، كما في قوله تعالى: ﴿أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيع الآية تَعْبَثُونَ﴾. والمعنى المشترك بين كل هذه المعاني هو «العلامة». وقوله سبحانه: ﴿مَا نَنْسَخْ مِنْ الآية... ﴾ يشير إلى نسخ الأحكام، فالحكم النّاسخ خير من المنسوخ أو مثله، أو إنه يشير إلى نسخ معجزة الأنبياء، فيكون المعنى أن معجزة النّبي التالي أفصح وأوضح من معجزة النّبي السابق. ثمّة روايات في تفسير هذه الآية ذكرت أن المقصود من نسخ الآية هو وفاة الإِمام ومجيء الإِمام التالي بعده، وهذا طبعاً بيان مصداق من مصاديق الآية، لا تحديداً لمفهومها. 3 - تفسير عبارة «ننسها»: جملة «نُنْسِهَا» في الآية معطوفة على جملة «نَنْسَخْ» وهي من مادة «أنساء» بمعنى التأخير أو الحذف من الأذهان. فما هو معنى هذه العبارة في الآية الكريمة؟ المقصود من العبارة هو: ما ننسخ من آية أو نؤخر نسخها استناداً إلى مصالح معينة... نأت بخير منها أو مثلها.... فعبارة «نَنْسَخْ» تشير إلى النسخ على المدى القصير، وعبارة «نُنْسِهَا»النسخ على المدى البعيد، (لاحظ بدقّة). ثمّة احتمالات اُخرى ذكرت في هذا المجال لا تبلغ أهميتها ما ذكرناه. 4 - تفسير ﴿أو مِثْلِهَا﴾: سؤال آخر يطرح في هذا المجال بشأن عبارة «أو مِثْلِهَا» فلو كان الحكم النّاسخ مثل الحكم المنسوخ فلا فائدة من هذا التغيير، النسخ تظهر فائدته حين يكون النّاسخ خيراً من المنسوخ. والجواب على ذلك هو أن الآية النّاسخة لها آثار في زمانها كتلك الآثار التي كانت الآية المنسوخة في زمانها. بعبارة أوضح: قد يكون لحكم اليوم فوائد معينة، لكن هذه الفوائد لا تظهر لهذا الحكم غداً، ولابدّ أن ينسخ هذا الحكم بحكم آخر تكون له في زمن لاحق - على الأقل - نفس الفوائد التي كانت للمنسوخ في زمن سابق. ﴿وَمَا لَكُم﴾ وأفرد لأنه أعلمهم أو لمنكر النسخ ﴿أَنَّ اللّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ فهو يملك أموركم ويجريها على ما يصلحكم من النسخ وغيره ﴿مِّن دُونِ اللّهِ مِن وَلِيٍّ﴾ يقوم بأمركم ﴿وَلاَ نَصِيرٍ﴾ ينصركم.