سبب النّزول
تعددت الآراء في كتب التّفسير حول سبب نزول هذه الآية الشريفة، إلاّ أنها متقاربة في المضمون والنتيجة.
فقد نقل عن ابن عباس أنه: جاء وهب بن زيد، ورافع بن حرملة إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقالا: إئتِ لنا بكتاب من الله مرسل إلينا نقرأه لكي نؤمن بك، أو إجر الانهار لنا حتى نتبعك!
وقال بعض آخر: إنّ جماعة من الاعراب جاءوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وطلبوا منه ما طلب بنو إسرائيل من موسى، فقالوا: أرنا الله جهرة.
وقال آخرون: إنهم طلبوا من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يجعل لهم صنماً من شجرة خاصة (ذات أنواط) ليعبدوه كما قال بنو إسرائيل لموسى: (إجعل لَنا إلهاً كَمَا لَهُم آلهة).
والآية أعلاه نزلت جواباً لهؤلاء.
التّفسير
حُجج واهية:
هذا الآية الكريمة، وإن كانت تخاطب مجموعة من المسلمين ضعاف الإيمان أو المشركين إلاّ أنّها ترتبط أيضاً بمواقف اليهود.
لعل هذا السؤال وجه إلى الرّسول بعد تغيير القبلة، وبعد حملات التشكيك التي شنها اليهود بين المسلمين وغير المسلمين، والله سبحانه في هذه الآية الكريمة نهى عن توجيه مثل هذه الأسئلة السخيفة ﴿أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسى مِنْ قَبْلُ﴾؟!
مثل هذا العمل إعراض عن الإيمان واتجاه نحو الكفر، ولذلك قالت الآية: ﴿وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالاِْيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ﴾.
الإِسلام طبعاً لا يمنع طرح الأسئلة العلمية والمنطقية، ولا يحول دون طلب المعجزة من أجل اثبات صحة الدعوة، لأن مثل هذه الأسئلة والطلبات هي طريق الإِدراك والفهم والإِيمان.
وهذه الآية الكريمة تشير إلى اُولئك الذين يتذرعون بمختلف الحجج الواهية كي يتخلصوا من حمل أعباء الرسالة.
هؤلاء كانوا قد شاهدوا من الرّسول معاجز كافية لإِيمانهم بالدعوة وصاحبها، لكنهم يتقدمون إلى النّبي بطلب معاجز اقتراحية اُخرى!
المعجزة ليست اُلعوبة بيد هذا وذاك كي تحدث وفق الميول والإِقتراحات والمشتهيات، بل إنها ضرورة لازمة للإطمئنان من صدق أقوال النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وليست مهمّة النّبي صنع المعاجز لكل من تهوى نفسه معجزة.
ثم هناك من الأسئلة ما هو بعيد عن العقل والمنطق، كرؤية الله جهرة، وكطلب اتخاذ الصنم.
القرآن الكريم ينبه في هذه الآية بأن المجموعة البشرية التي لا تسلك طريق العقل والمنطق في اسئلتها ومطالبتها، سينزل بها ما نزل بقوم موسى.
﴿أَمْ تُرِيدُونَ﴾ أيها الكفار واليهود ﴿أَن تَسْأَلُواْ رَسُولَكُمْ﴾ ما تقترحوا من الآيات ﴿كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِن قَبْلُ﴾ واقترح عليه نزلت في أهل الكتاب حين سألوه أن ينزل عليهم كتابا من السماء أو في المشركين حين قالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا إلى قولهم أو تأتي بالله والملائكة قبيلا ﴿وَمَن يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ﴾ ترك الثقة بالآيات المنزلة وشك فيها واقترح غيرها ﴿فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ﴾ أي وسطه فلا يصل إلى المقصود.