التّفسير
حسد وعناد:
كثير من أهل الكتاب وخاصة اليهود لم يكتفوا بإعراضهم عن الدين المبين، بل كانوا يودّون أن يرتد المسلمون عن دينهم، ولم يكن ذلك إلاّ عن حسد يستعر في أنفسهم، تقول الآية: ﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ الْحَقُّ﴾.
وأمام هذه المواقف الدنيئة والنظرات الضيقة والآمال التافهة والنوايا الخبيثة التي تحملها الفئة الكافرة، يحدد الإِسلام موقف الجماعة المسلمة، على أساس من رحابة الصدر وسعة الاُفق وبعد النظرة ﴿فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بَأَمْرِهِ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ﴾.
هذا الإمر الإِلهي نزل حيث كان المسلمون بحاجة إلى بناء المجتمع الإِسلامي.
وفي تلك الظروف يوجب على المسلمين أن يلجأوا إلى سلاح العفو والصفح حتى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ.
كثير من المفسرين قالوا إن «أمر الله» في هذه الآية يعني «أمر الجهاد»، ولعل الجماعة المسلمة لم تكن على استعداد شامل لخوض معركة دامية حين نزلت هذه الآية، ولذلك قيل إن آيات الجهاد نسخت هذه الآية.
ولعل التعبير بالنسخ في هذا الموضع ليس بصحيح، لأن الآية تحمل في عبارتها الإِطار الذي يحدّها بفترة زمنية محدودة.
﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾ كحي بن أخطب ونظرائه ﴿لَوْ يَرُدُّونَكُم﴾ يرجعونكم ﴿مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً﴾ مفعول ثان ليردون أو حال من مفعوله ﴿حَسَدًا﴾ علة ود ﴿مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم﴾ متعلق بود أي تمنوا ذلك من قبل أنفسهم لا من قبل التدين أو حسدا منبعثا من أنفسهم ﴿مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ﴾ صدق محمد ﴿فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ﴾ اتركوا العقوبة والتثريب ﴿حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ﴾ فيهم بالقتل يوم فتح مكة أو ضرب الجزية أو قتل قريظة وإجلاء النضير ﴿إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ فيقدر على الانتقام منهم.