لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
التّفسير اليهود وعبادتهم للعجل: في هذه الآيات يقصّ القرآن الكريم إحدى الحوادث المؤسفة، وفي نفس الوقت العجيبة التي وقعت في بني إسرائيل بعد ذهاب موسى (عليه السلام) إلى ميقات ربّه، وهي قصّة عبادتهم للعجل التي تمّت على يد شخص يدعى "السامري" مستعيناً بحلي بني إسرائيل وما كان عندهم من آلات الزّينة. إنّ هذه القصّة مهمّة جدّاً بحيث إنّ الله تعالى أشار إليها في أربع سور، في سورة البقرة الآية (51) و (54) و (92) و (93)، وفي سورة النساء الآية (153)، والأعراف الآيات المبحوثة هنا، وفي سورة طه الآية (88) فما بعد. على أنَّ هذه الحادثة مثل بقية الظواهر الإِجتماعية لم تكن لتحدث من دون مقدمة وأرضيَّة، فبنوا إسرائيل من جهة قضوا سنين مديدة في مصر وشاهدوا كيف يعبد المصريون الأبقار أو العجول. ومن جانب آخر عندما عبروا النيل شاهدوا في الضفة الأُخرى مشهداً من الوثنية، حيث وجدوا قوماً يعبدون البقر، وكما مرّ عليك في الآيات السابقة طلبوا من موسى (عليه السلام) صنماً كتلك الأصنام، ولكن موسى (عليه السلام) وبّخهم وردّهم، ولامهم بشدّة. وثالث، تمديد مدّة ميقات موسى (عليه السلام) من ثلاثين إلى أربعين، الذي تسبب في أن تشيع في بني إسرائيل شائعة وفاة موسى (عليه السلام) بواسطة بعض المنافقين، كما جاء في بعض التفاسير. والأمر الرابع، جهل كثير من بني إسرائيل بمهارة السامريّ في تنفيذ خِطته المشؤومة، كل هذه الأُمور ساعدت على أن تُقبل أكثرية بني إسرائيل في مدّة قصيرة على الوثنية، ويلتفوا حول العجل الذي أوجده لهم السامريّ للعبادة. وفي الآية الحاضرة يقول القرآن الكريم أوّلا: إنّ قوم موسى (عليه السلام) بعد ذهابه إلى ميقات ربّه صنعوا من حليّهم عجلا، وكان مجرّد تمثال لا روح فيه، ولكنّه كان له صوت كصوتِ البقر، واختاروه معبوداً لهم: (واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلا جسداً له خوار). ومع أنّ هذا العمل (أي صنع العجل من الحلي) صدر من السامريّ (كما تشهد بذلك آيات سورة طه) إلاّ أنّه مع ذلك نسب هذا العمل إلى بني إسرائيل لأنّ كثيراً منهم ساعد السامريّ في هذا العمل وعاضده، وبذلك كانوا شركاء في جريمته، في حين رضي بفعله جماعة أكبر منهم. وظاهر هذه الآية وإن كان يفيد - في بدء النظر - أنّ جميع قوم موسى شاركوا في هذا العمل، إلاّ أنّه بالتوجه إلى الآية (159) من هذه السورة، التي تقول: (ومن قوم موسى أُمّة يهدون بالحقّ وبه يعدلون) يستفاد أنّ المراد من الآية المبحوثة هنا ليس كلّهم، بل أكثرية عظيمة منهم سلكوا هذا السبيل، وذلك بشهادة الآيات القادمة التي تعكس عجز هارون عن مواجهتها وصرفها عن ذلك. كيف كان للعجل الذهبي خوار؟ و"الخوار" هو الصوت الخاص الذي يصدر من البقر أو العجل، وقد ذهب بعض المفسّرين إلى أنّ السامري بسبب ما كان عنده من معلومات وضع أنابيب خاصّة في باطن صدر العجل الذهبي، كان يخرج منها هواء مضغوط فيصدر صوت من فم ذلك العجل الذهبيّ شبيه بصوت البقر. ويقول آخرون: كان العجل قد وضع في مسير الريح بحيث كان يسمَع منه صوتٌ على أثر مرور الريح على فمه الذي كان مصنوعاً بِهيئة هندسية خاصّة. أمّا ما ذهب إليه جماعة من المفسّرين من أن السامريّ أخذ شيئاً من تراب من موضع قدم جبرئيل وصبّه في العجل فصار كائناً حياً، وأخذ يخور خواراً طبيعياً فلا شاهد عليه في آيات القرآن الكريم، كما سيأتي بإذن الله في تفسير آيات سورة طه. وكلمة "جسداً" شاهد على أن ذلك العجل لم يكن حيواناً حياً، لأنّ القرآن يستعمل هذه اللفظة في جميع الموارد في القرآن الكريم بمعنى الجسم المجرّد من الحياة والروح (1). وبغض النظر عن جميع هذه الأُمور يبعد أن يكون الله سبحانه قد أعطى الرجلَ المنافق (مثل السامريّ) مثل تلك القدرة التي يستطيع بها أن يأتي بشيء يُشبه معجزة النّبي موسى (عليه السلام)، ويحيي جسماً ميتاً، ويأتي بعمل يوجب ضلال الناس حتماً ولا يعرفون وجه بطلانه وفساده. أمّا لو كان العجل بصورة تمثال ذهبي كانت أدلة بطلانه واضحة عندهم، وكان من الممكن أن يكون وسيلة لإختبار الأشخاص لا شيء آخر. والنقطة الأُخرى التي يجب الإِنتباه إليها، هي أنّ السامري كان يعرف أن قوم موسى (عليه السلام) قد عانوا سنين عديدة من الحرمان، مضافاً إلى أنّهم كانت تغلب عليهم روح المادية - كما هو الحال في أجيالهم في العصر الحاضر - ويولون الحليّ والذهب احتراماً خاصّاً، لهذا صنع عجلا من ذهب حتى يستقطب إليه إهتمام بني إسرائيل من عبيد الثروة. أمّا أن هذا الشعب الفقير المحروم من أين كان له كل ذلك الذهب والفضة؟ فقد جاء في الرّوايات أن نساء بني إسرائيل كنّ قد استعرن من الفرعونيين كمية كبيرة من الحليّ والذهب والفضّة لإِقامة أحد أعيادهن، ثمّ حدثت مسألة الغرق وهلاك آل فرعون، فبقيت تلك الحلي عند بني إسرائيل (2). ثمّ يقول القرآن الكريم معاتباً وموبّخاً: ألم ير بنوإسرائيل أن هذا العجل لا يتكلم معهم ولا يهديهم لشيء، فكيف يعبدونه؟ (ألم يرو أنّه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا). يعني أن المعبود الحقيقي هو من يعرف - على الأقل - الحسن والقبيح، وتكون له القدرة على هداية أتباعه، ويتحدث إلى عبدته ويهديهم سواء السبيل، ويعرّفهم على طريقة العبادة. وأساساً كيف يسمح العقل البشري بأن يعبد الإنسان شيئاً ميتاً صنعه وسوّاه بيده، حتى لو استطاع - افتراضاً - أن يبدّل الحلّي إلى عجل واقعي فإنّه لا يليق به أن يعبده، لأنّه عجل يضرب ببلادته المثل. ﴿وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِن بَعْدِهِ﴾ بعد ذهابه للمناجاة ﴿مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَدًا﴾ من ذهب لا روح فيه ﴿لَّهُ خُوَارٌ﴾ صوت قيل لما صاغه السامري ألقى في فمه من تراب أثر فرس جبرئيل فصار حيا وقيل احتال لدخول الريح جوفه فصوت ﴿أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً﴾ فكيف يتخذونه إلها ﴿اتَّخَذُوهُ﴾ إلها ﴿وَكَانُواْ ظَالِمِينَ﴾ باتخاذه واضعين للعبادة في غير موضعها.