لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
التّفسير مندوبو بني إسرائيل في الميقات: في الآيتين الحاضرتين يعود القرآن الكريم مرّة أُخرى إلى قصة ذهاب موسى إلى الميقات "الطور" في صحبة جماعة، ويقص قسماً آخر من تلك الحادثة. هذا وقد وقع بين المفسّرين كلام في أنّه هل كان لموسى (عليه السلام) ميقات واحد مع ربّه، أو أكثر من ميقات واحد؟ وقد أقام كل واحد منهم شواهد لإِثبات مقصوده من القرآن الكريم، ولكنّه كما قلنا سابقاً - في ذيل الآية (142) من هذه السورة - أنّه يظهر من مجموع القرائن في القرآن الكريم والرّوايات أن موسى (عليه السلام) كان له ميقات واحد، وذلك برفقة جماعة من بني إسرائيل. وفي هذا الميقات بالذات أنزل الله الألواح على موسى وكلمه (عليه السلام)، وفي نفس هذا الميقات اقترح بنو إسرائيل على موسى (عليه السلام) أن يطلب من الله أن يريهم نفسه جهرة. في هذا الوقت نفسه نزلت الصاعقة أو حدث الزلزال وغُشي على موسى (عليه السلام) وسقط بنو إسرائيل على الأرض مغشياً عليهم، وقد ورد هذا الموضوع في حديث مرويّ عن علي بن إبراهيم في تفسيره. إنّ كيفية وضع آيات هذه السورة وإن كان يحدث - في بادىء النظر - إشكالا، وهو: كيف أشارالله تعالى أولا إلى ميقات موسى (عليه السلام) ثمّ ذكر قصّة عبادة العجل، ثمّ عاد مرّة أُخرى إلى مسألة الميقات؟ هل هذا النظم وهذا الطراز من الكلام يناسب الفصاحة والبلاغة التي يتسم بها القرآن الكريم؟ ولكن مع الإِلتفات إلى أنّ القرآن ليس كتاب تأريخ يسجل الحوادث حسب تسلسلها، بل هو كتاب هداية وتربية وبناء إنساني، وفي مثل هذا الكتاب توجب أهمية الموضوع أن يترك متابعة حادثة مؤقتاً، ويعمد إلى بحث ضروري آخر، ثمّ يعود مرّة أُخرى لنفس الحادثة الأُولى. بناء على هذا لا توجد أية ضرورة إلى أن نعتبر الآية المذكورة هنا إشارة إلى بقية قصة عبادة العجل، ونقول: إنّ موسى (عليه السلام) ذهب مرّة أُخرى بصحبة بني إسرائيل إلى جبل الطور بعد قضية عبادة العجل للإِعتذار إلى الله والتوبة، كما قال بعض المفسّرين، لأنّ هذا الإِحتمال بغض النظر عن جهات أُخرى يبدو بعيداً في النظر من جهة أنّه آل إلى هلاك جماعة ذهبت إلى الميقات للإِعتذار والتوبة، فهل من الممكن أن يُهلِكَ الله تعالى جماعة أتوا إلى الميقات للإِعتذار إلى الله بالنيابه عن قومهم؟! وعلى كل حال، فقد قال القرآن الكريم في الآيتين الحاضرتين أوّلا: (واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا). ولكن بني إسرائيل حيث إنّهم سمعوا كلام الله طلبوا من موسى (عليه السلام) أن يطلب من الله تعالى أن يريهم نفسه - لبني إسرائيل - جهرة، وفي هذا الوقت بالذات أخذهم زلزال عظيم وهلك الجماعة، ووقع موسى (عليه السلام) على الأرض مغشياً عليه، وعندما أفاق قال: ربّاه لو شئتَ لأهلكتَنا جميعاً، يعني بماذا أجيبُ قومي لو هلك هؤلاء (فلمّا أخذتهم الرجفة قال ربّ لو شئت أهلكتَهم من قبل وإياي). ثمّ قال: ربّاه إنّ هذا المطلب التافة إنّما هو فعل جماعة من السفهاء، فلا تؤاخذنا بفعلهم: (أتهلكنا بما فعل السفهاء منّا) ؟ ولقد اعتبر بعض المفسّرين - وجود كلمة "الرجفة" في هذه الآية، وكلمة "الصاعقة" في الآية (55) من سورة البقرة المتعلقة بطلب رؤية الله جهرةً - دليلا على التفاوت بين الميقاتين. ولكن - كما قلنا سابقاً - إن الصاعقة في كثير من الأوقات ترافق الرجفة الشديدة، لأنّه على أثر التصادم بين الشحنات الكهربائية الموجبة في السحب والسالبة في الأرض تبرق شرارة عظيمة تهزّ الجبال والأراضي بشدّة، وربّما تحطمها وتبعثرها كما جاء في قصّة البلاء الذي نزل على قوم صالح العصاة، حيث يعبر فيه عنه بالصاعقة تارة (سورة فصلت الآية 17) وتارة بالرجفة (سورة الأعراف الآية 78). وقد استدل بعض المفسّرين بعبارة (بِما فعل السفهاء منا) على أنّ العقوبة هنا كانت لأجل الفعل الذي صدر من بني إسرائيل (مثل عبادة العجل) لا لأجل الكلام الذي قالوه في مجال طلب رؤية الله جهرة. والجواب على هذا الكلام واضحٌ أيضاً، لأنّ الكلام فعل من أفعال الإنسان أيضاً، وإطلاق "الفعل" على "الكلام" ليس أمراً جديداً وغير متعارف، مثلا عندما نقول: إنّ الله يثيبنا يوم القيامة على أعمالنا، فإنّ من المسلّم أنَّ لفظة أعمالنا تشمل كلماتنا أيضاً. ثمّ إنّ موسى (عليه السلام) قال في عقيب هذا التضرع والطلب من الله: ربّاه إنّي أعلم أن هذا كان اختبارك وامتحانك، فأنت تضلّ من تشاء (وكان مستحِقاً لذلك) وتهدي من تشاء (وكان لائقاً لذلك) (إن هي إلاّ فتنتك) وإختبارك. وهنا أيضاً تكلّم المفسّرون في معنى "الفتنة" كثيراً وذهبوا مذاهب شتى، ولكن بالنظر إلى أن لفظة "الفتنة" جاءت في القرآن الكريم بمعنى الإِختبار والإِمتحان مراراً كما في الآية (28) من سورة الأنفال: (إنّما أموالكم وأولادكم فتنة) وكذا في الآية (رقم 2) من سورة العنكبوت، والآية (126) من سورة التوبة) لا يكون مفهوم الآية الحاضرة غامضاً. لأنّه لا شك في أن بني إسرائيل واجهوا في هذا المشهد اختباراً شديداً، فأراهم الله تعالى أن هذا الطلب (طلب رؤية الله) طلب تافة ومستحيل الوقوع. وفي ختام الآية يقول موسى (عليه السلام) : رباه: (أنت وليُّنا فاغفر لنا وارْحمنا وأنت خير الغافرين). من مجموع الآيات والرّوايات يستفاد أنّ الهالكين قد استعادوا حياتهم في المآل وعادوا برفقة موسى (عليه السلام) إلى بني إسرائيل، وقصُّوا عليهم كلّ ما سمعوه وشاهدوه، وأخذوا في إرشاد الغافلين الجاهلين وهدايتهم. ﴿وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ﴾ أي من قومه ﴿سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ﴾ قيل أمره الله أن يختارهم ليكلمه بحضرتهم ليشهدوا عند بني إسرائيل فلما سمعوا كلامه قالوا لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتهم الصاعقة أو الزلزلة فصعقوا ﴿قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ﴾ قبل خروجي بهم ﴿وَإِيَّايَ﴾ لئلا يتهمني بنو إسرائيل ﴿أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاء مِنَّا﴾ استفهام استعطاف أي لا تؤاخذنا بذنب غيرنا من طلب الممتنع وهو الرؤية فيكون الطالب بعضهم وقيل عبادة العجل ﴿إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ﴾ ما الرجفة إلا ابتلاؤك ليتميز الصابر من غيره أو عذابك ﴿تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاء وَتَهْدِي مَن تَشَاء﴾ بلطفك فيصبر ﴿أَنتَ وَلِيُّنَا﴾ متولي أمرنا ﴿فَاغْفِرْ لَنَا﴾ ذنوبنا ﴿وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ﴾.