التّفسير
دعوة النّبي العالميّة:
جاء في حديث عن الإِمام الحسن المجتبى (عليه السلام) قال: جاء نفر من اليهود إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالوا: يا محمّد، أنت الذي تزعم أنّك رسول الله، وأنّك الذي يوحى إليك كما يوحى إلى موسى بن عمران؟
فسكت النّبي ساعة ثمّ قال: "نعم أنا سيد ولد آدم ولا فخر، وأنا خاتم النّبيين، وإمام المتقين، ورسول ربّ العالمين.
" قالوا: إلى من، إلى العرب أم إلى العجم، أم إلينا؟
فأنزل الله هذه الآية التي صرّحت بأنّ رسالة النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) رسالة عالمية (1).
ولكن مع ذلك لا يمكن إنكار إرتباط هذه الآية بالآية السابقة المتعلقة بصفات النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والدعوة إلى اتباع دينه وشريعته.
وفي البداية يأمر الله تعالى رسول الله قائلا: (قل يا أيّها النّاس إنّي رسول الله إليكم جميعاً).
إنّ هذه الآية مثل آيات كثيرة أُخرى من القرآن الكريم دليل واضح على عالمية دعوة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
وفي الآية (28) من سورة "سبأ" أيضاً نقرأ: (وما أرسلناك إلاّ كافة للناس).
وفي الآية (19) من سورة الأنعام أيضاً نقرأ: (وأوحى إليّ هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ) أي بلغه القرآن.
وفي مطلع سورة الفرقان نقرأ: (تبارك الذي أنزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً) فهو أُرسل إلى الناس كافة ليحذرهم من المسؤوليات.
هذه نماذج من الآيات التي تشهد بعالمية دعوة الرّسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)، وسوف نبحث حول هذه المسألة أيضاً في ذيل الآية (رقم 7) من سورة الشورى، وقد مر لنا في ذيل الآية (92) من سورة الأنعام - أيضاً - بحثٌ مبسوط نوعاً ما في هذا الصعيد.
ثمّ إنّه وصف الإله الذي يدعو إليه النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بثلاث صفات:
1 - (الذي له ملك السماوات والأرض) فله الحاكمية المطلقة.
2 - (لا إله إلاّ هو) فلا معبود يليق للعبادة سواه.
3 - (يحي ويميت) بيده نظام الحياة والموت.
وبهذه الطريقة تنفي هذه الآية أُلوهية غير خالق السماوات والأرض، وأُلُوهيّة كل صنم، وكذا تنفي التثليث المسيحي، كما وتؤكّد على رسالة النّبي العالمية وقدرة الله تعالى على أمر المعاد.
وفي الختام تدعو جميع أهل العالم إلى الإِيمان بالله وبرسوله الذي لم يتعلّم القرآءة والكتابة والقائم من بين الناس (فآمنوا بالله ورسوله النّبي الأُمّي).
النّبي الذي لا يكتفي بدعوة الآخرين إلى هذه الحقائق فحسب، بل يؤمن هو في الدرجة الأُولى - بما يقول، يعني الإِيمان بالله وكلماته (الذي يؤمن بالله وكلماته).
إنّه لا يؤمن فقط بالآيات التي نزلت عليه، بل يؤمن بجميع الكتب الحقيقة للأنبياء السابقين.
إنّ إيمانه بدينه والذي يتجلى من خلال أعماله وتصرّفاته دليل واضح على حقانيته، لأن عمل الآمر بشيء يعكس مدى إيمانه بما يأمر به ويدعو إليه.
وإيمانه بقوله أحد الأدلة على صدقه.
إنّ تأريخ النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) برمّته يشهد بهذه الحقيقة وهي أنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان أكثر من غيره إلتزاماً بالتعاليم التي جاء بها.
أجل، لابدّ لكم من اتّباع مثل هذا النّبي حتى تسطع أنوار الهدايه على قلوبكم، لتهتدوا إلى طريق السعادة (واتّبعوه لعلكم تهتدون).
وهذا إشارة إلى أنّه لا يكفي مجرّد الإِيمان، وإنما يفيد الإِيمان إذا إقترن بالإِتباع العمليّ.
والجدير بالإِلتفات إلى أن الآية الحاضرة نزلت في مكّة يوم كان المسلمون يشكلون أقلية صغيرة جدّاً بحيث إنّه قلّما كان هناك من يحتمل أن يسيطر النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على مكّة فضلا عن جزيرة العرب، أو قسم كبير من العالم.
وعلى هذا الأساس، فإنّ الذين يتصورون أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ادعى في البداية تبليغ الرسالة لأهل مكّة فقط، وعندما إنتشر دينه وعلا أمره فكر في السيطرة على الحجاز، ثمّ فكر في البلاد الأُخرى، وراسل ملوك العالم وأمراءه وقادته، وأعلن عن رسالته العالمية.
تجيب الآية الحاضرة التي نزلت في مكّة على كل تصوراتهم هذه، فهي تصرح في غير إبهام ولا غموض بأنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) اعلن عن دعوته العالمية منذ البداية.
﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا﴾ إلى الثقلين ﴿الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ صفة الله أو مبتدأ خبره ﴿لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ﴾ تقرير لاختصاصه بها ﴿فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ﴾ القرآن والوحي والكتب المتقدمة ﴿وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ إلى الثواب أو الجنة.