لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
التّفسير آخر كلام حول اليهود: "نتقنا" من مادة "نتق" على وزن "قلع" تعني في الأصل قلع وانتزاع شيء من مكانه، وإلقاءه في جانب آخر، ويطلق على النساء اللواتي يلدن كثيراً أيضاً "ناتق" لأنّهن يفصلن الأولاد من أرحامهن ويخرجنهم بسهولة. وهذه الآية آخر آية في هذه السورة تتحدث حول حياة بني إسرائيل، وهي تتضمّن تذكير قصّة أُخرى ليهود عصر النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، قصّة فيها عبرة، كما أنّها دليل على إعطاء ميثاق وعهد، إذ يقول: واذكروا إذ قلعنا الجبل من مكانه وجعلناه فوق رؤوسهم كأنّه مظلّة (وإذ نتقنا الجيل فوقهم كأنّه ظلّة). وقد ظنوا أنّه سيسقط على رؤوسهم، فإنتابهم اضطراب شديد وفزع: (وظنّوا أنّه واقع بهم). وفي تلك الحالة قلنا لهم: خذوا ما أعطيناكم من الأحكام بقوة وجديّة(خُذوا ما آتيناكم بقوّة) واذكروا ما جاء فيه حتى تتقوا، وخافوا من العقاب الإِلهي واعملوا بما أخذناه فيه منكم من المواثيق (واذكروا ما فيه لعلكم تتقون). إنّ هذه الآية نفسها جاءت - بفارق بسيط في الآية (63) من سورة البقرة، وكما قلنا هناك فإنّ هذه القصة وقعت - حسب ما قال المفسّر المعروف العلاّمة الطبرسي في مجمع البيان عن ابن زيد - عندما عاد موسى (عليه السلام) من جبل الطور، واصطحب معه أحكام التوراة... فعندما عرض على قومه الواجبات والوظائف وأحكام الحلال والحرام تصوروا أنّ العمل بكل هذه الوظائف أمر مشكل، ولهذا بنوا على المخالفة والعصيان... في هذا الوقت نفسه، رفعت قطعة عظيمة من الجبل فوق رؤوسهم، بحيث وقعوا في اضطراب عظيم، فالتجأوا إلى موسى (عليه السلام) وطلبوا منه رفع هذا الخطر والخوف عنهم، فقال لهم موسى (عليه السلام) في تلك الحالة: لوتعهدّتم بأن تكونوا أوفياء لهذه الأحكام لزال عنكم هذا الخطر... فسلَّموا وتعهَّدوا وسجدوا لله تعالى فزال عنهم الخطر، وأُزيحت الصخرة من فوق رؤوسهم. أسئلة وأجوبة: وهنا سؤالان أشرنا إليهما في سورة البقرة وإلى جوابيهما، ونذكر مختصراً عنهما هنا بالمناسبة. السّؤال الأوّل: ألم يكن لأخذ الميثاق في هذه الحالة صفة الإجبار؟ والجواب: لا شك أنّه كانت تحكم في ذلك الظرف حالة من الإِجبار والإضطرار، ولكن من المسلَّم أنّه لمّا ارتفع وزال الخطر فيما بعد كان بإمكانهم مواصلة هذا السلوك باختيارهم. هذا مضافاً إلى أنّه لا معنى للإِجبار في مجال الإِعتقاد، أمّا في مجال العمل فلا مانع من أن يجبر الناس على اُمور تربوية تضمن خيرهم وسعادتهم وصلاحهم. فهل من العيب لو أنّنا أجبرنا شخصاً على ترك عادة شريرة، أو سلوك طريق آمن من الخطر، وعدم سلوك طريق محفوف بالأخطار؟ السّؤال الثّاني: كيف رفع الجبل فوق رؤوسهم: الجواب: ذهب بعض المفسّرين إلى أن الجبل قُلِعَ من مكانه بأمر الله، واستقر فو رؤوسهم كمظلّة. وذهب آخرون إلى أنّه اهتز الجبل اهترازاً شديداً بفعل زلزال شديد بحيث شاهد الناس الذين كانوا يسكنون في سفح الجبل ظلَّ قسمُ منه فوق رؤوسهم. ويحتمل أيضاً أن قطعة من الجبل انتزعت من مكانها واستقرت فوق رؤوسهم لحظة واحدة، ثمّ مرّت وسقطت في جانب آخر. ولا شك في أنّ هذا الأمر كان أمراً خارقاً للعادة وليس حدثاً طبيعياً عادياً. والموضوع الآخر الذي يجب الإِنتباه إليه هو أنّ القرآن لا يقول: إنّ الجبل صار مظلّة فوق رؤوسهم بل قال: (كأنّه ظلّة). وهذا التعبير إنّما هو لأجل أنّ المظلّة تنصب على رؤوس الأشخاص لإظهار الحب، والحال أنّ هذه العملية - المذكورة في الآية الحاضرة - كانت من باب التهديد، أو لأجل أنّ المظلة شيء مستقر وثابت، ولكن رفع الجبل فوق رؤوسهم كان يتسم بعدم الثبات والدوام. قلنا: مع هذه الآية تختم الآيات المتعلقة بقصة بني إسرائيل والحوادث المختلفة، والذكريات الحلوة والمرّة التي وقعت في حياتهم. وهذه القصّة هي آخر قصص الأنبياء التي جاءت في هذه السورة. وذكر هذه القصّة في نهاية قصصهم - مع أنّها ليست آخر حدث من الحوادث المرتبطة بهذه الجماعة - لعله لأجل أنّ الهدف من جميع هذه القصص هو التمسك بآيات الله والعمل بالمواثيق، ولأجل الوصول إلى التقوى الذي جاء بيانه في هذه الآية والآية السابقة. يعني أنّ رسالة موسى (عليه السلام) وسائر الأنبياء وأعمالهم مواجهاتهم المستمرة والصعبة وما لقوا من صعاب ومتاعب وشدائد مضنية كانت لأجل تطبيق أوامر الله، وتنفيذ مبادىء الحق والعدالة والطهر والتقوى في المجتمعات البشرية بشكل كامل. ﴿وَإِذ نَتَقْنَا الْجَبَلَ﴾ رفعناه ﴿فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ﴾ وهو ما أظلك من غمامة أو سقيفة ﴿وَظَنُّواْ﴾ أيقنوا وقوي في نفوسهم ﴿أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ﴾ ساقط عليهم إذ وعدهم الله وقوعه إن لم يقبلوا أحكام التوراة وقلنا لهم ﴿خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم﴾ من التوراة ﴿بِقُوَّةٍ﴾ بجد وعزم ﴿وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ﴾ بالعمل به ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ المعاصي.