والآيتان التاليتان - كنتيجة عامّة وشاملة لقضية - (بعلم) والعلماء الدنيويين فتقول أُولاهما (ساء مثلا القوم الذين كذبوا بآياتنا وأنفسهم كانوا يظلمون).
فما أفحش ظلم الإنسان لنفسه وهو يسخّر ملكاته المعنوية وعلومه النافعة التي بإمكانها أن تعود عليه وعلى مجتمعه بالخير - ويضعها تحت إختيار المستكبرين وأصحاب القدرة الدنيوية ويبيعها بثمن بخس فيؤدي ذلك إلى سقوطه وسقوط المجتمع والآية الاخيرة تحذّر الإنسان وتؤكّد له أن الخلاص من مثل هذا الإِنحراف وما يكيده الشياطين لا يمكن إلاّ بتوفيق وتسديد من الله عزوجل (من يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فأُولئك هم الخاسرون).
وتقدم كرّات بأنّ (الهداية) و (الإِضلال) الإِلهيين لا يعدان إجباراً ولا بدون حساب أو دليل، ويقصد بهما إعداد الأرضية للهداية وفتح سبلها أو إيصادها، وذلك بسبب الأعمال الصالحة أو الطالِحة التي صدرت من الإِنسان من قبْل، وعلى أية حال فالتصميم النهائي بيد الإِنسان نفسه...
فبناءً على هذا فإنّ الآية محل البحث تنسجم مع الآيات المتقدمة التي تذهب إلى أصل حرية الإِرادة... ولا منافاة بين هذه الآية وتلكم الآيات بتاتاً...
﴿سَاء مَثَلاً الْقَوْمُ﴾ أي مثل القوم ﴿الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا﴾ بعد علمهم بها ﴿وَأَنفُسَهُمْ﴾ لا غيرها ﴿كَانُواْ يَظْلِمُونَ﴾ بالتكذيب إذ وباله لا يتعداهم.