سبب النّزول
قال ابن عباس أنه لما قدم وفد نجران من النصارى على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) آتتهم أحبار اليهود فتنازعوا عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فقال رافع بن حرملة: ما أنتم على شَيء، وجحد بنبوّة عيسى وكفر بالإِنجيل.
فقال رجل من أهل نجران: ليست اليهود على شيء، وجحد بنبوّة موسى وكفر بالتوراة، فأنزل الله هذه الآية.
التّفسير
تعصّب وتناقض:
فيما مرّ بنا من آيات رأينا جانباً من الإِدعاءات الفارغة التي أطلقها جمع من اليهود والنصارى، ورأينا أن هذه الإِدعاءات الفارغة تستتبعها روح احتكارية ضيقة، ثم وقوع في التناقضات.
تقول الآية: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارى عَلى شَيْء وَقَالَتِ النَّصَارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْء﴾.
عبارة «لَيْسَتْ عَلى شَيْء» تعني أن أفراد هذا الدين لا مكانة لهم ولا منزلة لدى الله سبحانه، أو تعني أن هذا الدين لا وزن له ولا قيمة.
ثم تضيف الآية: ﴿وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ﴾.
أي إنّ هؤلاء لديهم الكتاب الذي يستطيع أن ينير لهم الطريق في هذه المسائل، ومع ذلك ينطلقون في أحكامهم من التعصب واللجاج والعناد!!
ثم تقول الآية: ﴿كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ﴾.
وهذه الآية الكريمة تجعل أقوال هذه المجموعة من أهل الكتاب المتعصبين شبيهة بأقوال الجهلة من الوثنيين.
بعبارة اُخرى: هذه الآية تقرر أن المصدر الأساس للتعصب هو الجهل والبعد عن العلم، لأن الجاهل مطوّق بمحيطه المحدود، لا يقبل غيره، بل هو ملتصق بما ملأ ذهنه منذ صغره وإن كان خرافياً، ويرفض ما سواه.
ثم اختتمت الآية بالتأكيد على أن الحقائق إن خفيت في هذه الدنيا، فهي لا تخفى في الآخرة حيث تنكشف كل الأوراق: ﴿فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيَما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾.
وهذه الآية فيها أيضاً تثبيت للقلوب وطمأنة للنفوس، فهي تؤكد للمسلمين أن الطوائف التي تجهزت لمحاربتهم لا تتميز بالإِنسجام والوحدة، بل إن مجاميعها يكفّر بعضهم بعضاً، والذي يجمع بينهم على الظاهر هو الجهل، وبالتالي التعصب الناشيء عن هذا الجهل.
﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَىَ شَيْءٍ﴾ من الدين ﴿وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ﴾ وقيل نزلت حين قدم وفد نجران على الرسول وأتاهم أحبار اليهود وتقاولوا بذلك ﴿وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ﴾ الواو للحال والكتاب للجنس أي قالوا ذلك وهم من أهل التلاوة للكتب ﴿كَذَلِكَ﴾ أي مثل ذلك ﴿قَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ كعبدة الأصنام والدهرية ﴿مِثْلَ قَوْلِهِمْ﴾ يكفر بعضهم بعضا وبخهم على تشبههم بالجهلة ﴿فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ﴾ بين الحزبين ﴿يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ بأن يكذبهم ويدخلهم النار أو بما يقسم لكل منهم من العقاب.