سبب النزول
روى المفسّرون أنّ النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حين كان بمكّة، صعد ذات ليلة على جبل الصفا ودعا الناس إلى توحيد الله، وخاصّة قبائل قريش، وحذرهم من عذاب الله، وقال: "إِنّي نذير لكم بين يدي عذاب شديد، قولوا، لا إله إلاّ الله تفلحوا" فقال المشركون: إنّ صاحبهم قد جُنّ، بات ليلا يصوت حتى الصباح، فنزلت الآيات وألجمتهم وردت قولهم.
ورغم أنّ الآية لها شأن خاص، إلاّ أنّها في الوقت ذاته لمّا كانت تدعو إلى معرفة النّبي وهدف الخلق والتهيؤ للعالم الآخر، ففيها إرتباط وثيق بالمواضيع التي سبق بيانها في شأن أهل الجنّة وأهل النّار.
التّفسير
التُهم والأباطيل:
في الآية الأُولى من الآيات - محل البحث - يردُّ الله سبحانه على كلام المشركين الذي لا أساس له بزعمهم أنّ النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد جُنّ، فيقول سبحانه: (أو لم يتفكروا ما بصاحبهم من جنّة). (1)
وهذا التعبير يشير إلى أن النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يكن شخصاً مجهولا بينهم، وتعبيرهم ب- "الصاحب" يعني المحب والمسامر والصديق وما إلى ذلك.
وكان النّبي معهم أكثر من أربعين عاماً يرون ذَهابه وإيابه وتفكيره وتدبيره دائماً وآثار النبوغ كانت باديةً عليه، فمثل هذا الإِنسان الذي كان يُعدّ من أبرز الوجوه والعقلاء قبل الدعوة إلى الله، كيف تلصق به مثل هذه التهمة بهذه السرعة؟! أمّا كان الأفضل أن يتفكروا - بدلا من إلصاق التهم به - أن يكون صادقاً في دعواه وهو مرسل من قبل الله سبحانه؟! كما عقب القرآن الكريم وبيّن ذلك بعد قوله أو لم يتفكروا؟
﴿أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ﴾ فيعلموا ﴿مَا بِصَاحِبِهِم﴾ محمد ﴿مِّن جِنَّةٍ﴾ نزلت حين حذرهم بأس الله فنسبوه إلى الجنون ﴿إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ﴾ موضح للإنذار.