لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
التّفسير وإذا قُرىء القرآن فاستمعوا وانصتوا: لقد بدأت هذه السورة (سورة الأعراف) ببيان عظمة القرآن، وتنتهي بالآيات - محل البحث - التي تتكلم عن القرآن أيضاً. وبالرغم من أنّ المفسّرين ذكروا أسباباً لنزول الآية الأُولى - من هذه الآيات محل البحث - منها مثلا ما روي عن ابن عباس وجماعة آخرين، أنّ المسلمين في باديء أمرهم كانوا يتكلمون في الصلاة، وربّما ورد شخص (جديد) أثناء الصلاة فيسأل المصلين وهم مشغولون بصلاتهم: كم ركعة صليتم؟ فيجيبونه: كذا ركعة. فنزلت الآية ومنعتهم أو نهتهم عن ذلك. كما نقل الزّهري سبباً آخر لنزول الآية، وهو أنّه لما كان النّبي يقرأ القرآن، كان شاب من الأنصار يقرأ معه القرآن بصورت مرتفع، فالآية نزلت ونهت عن ذلك. وأيّاً كان شأن نزول هذه الآية، فهي تقول: (وإذا قرىء القرآن فاستمعوا له وانصتوا لعلّكم ترحمون). والفعل "انصتوا" مأخوذ من مادة "الإنصات" ومعناه: السكوت المشفوع بالإصغاء والإِستماع. وقد إختلف المفسّرون في أن الإِنصات والسكوت هنا في الآية، هل هو عند قراءة القرآن في جميع الموارد؟ أم هو منحصر وقت الصلاة وعند قراءة إمام الجماعة؟ أم هو عندما يقرأ إمام الجمعة - في خطبة الصلاة - القرآن؟ كما أنّ هناك أحاديث شتى في هذا الصدد في كتب الفريقين في تفسير هذه الآية. والذي يستفاد من ظاهر الآية أن هذا الحكم عام غير مختص بحال ما ولا وقت معيّن. إلاّ أنّ الرّوايات المتعددة الواردة عن الأئمّة الطاهرين، بالإضافة إلى إجماع العلماء واتفاقهم على عدم وجوب الإستماع عند قراءة القرآن في أية حال، يُستدل من ذلك على أن هذا الحكم بصورة كليّة حكم استحبابي، أي ينبغي إن قُرىء القرآن - حيثما كان، وكيف كان - أن يستمع الآخرون وينصتوا احتراماً للقرآن، لأنّ القرآن ليس كتاب قراءة فحسب، بل هو كتاب فهم وإدراك، ثمّ هو كتاب عمل أيضاً. وهذا الحكم المستحب ورد عليه التأكيد إلى درجة أنّ بعض الرّوايات عبّرت عنه بالوجوب. إذ ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) قوله: "يجب الإنصات للقرآن في الصّلاة وفي غيرها وإذا قرىء عندك القرآن وجب عليك الإِنصات والإِستماع" (1). حتى أنّه يستفاد من بعض الرّوايات أنّ لو كان إمام الجماعة مشغولا بالقراءة في الصلاة، وقرأ شخص آخر آية من القرآن فيستحب للإِمام السكوت حتى ينهي قراءة الآية، ثمّ يكمل الإمام قراءته. حيث ورد عن الإمام الصّادق (عليه السلام) أنّ أميرالمؤمنين عليّاً (عليه السلام) كان مشغولا بصلاة الصبح، وكان ابن الكوّا - ذلك المنافق الفظّ القلب - خلف الإمام مشغولا بالصلاة، فقرأ فجأة (ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطنّ عملك ولتكونن من الخاسرين) وكان هدفه من قراءة الآية أن يعترض على الإمام عليّ مكنيّاً عن قبول الحكم في صفين - كما احتملوا ذلك - لكن الإمام سكت احتراماً للقرآن حتى ينتهي ابن الكوّا من قراءة الآية، ثمّ رجع الإمام إلى قراءته فأعاد ابن الكوا عمله مرّة ثانية، فسكت الإمام أيضاً، فكرر ابن الكوّا القراءة ثالثة فسكت علي (عليه السلام) أيضاً، ثمّ تلا قوله تعالى: (فاصبر إنّ وعدَ الله حق ولا يستخفنّك الذين لا يؤمنون) وهو يشير إلى أن عذاب الله وعقابه الأليم في إنتظار المنافقين وغير المؤمنين، وينبغي أن يتحمل الإِنسان أذاهم، ثمّ أن الإِمام أكمل السورة وهوى إلى الركوع (2). ويستفاد من مجمع ما تقدّم، ولا سيما من البحث آنف الذكر، أن الإِستماع والسكوت عند قراءة آيات القرآن أمر حسن جدّاً إلاّ أنّه بشكل عام غير واجب... ولعلّ جملة (لعلّكم ترحمون) إضافة إلى الرّوايات والإجماع، تشير إلى استجباب هذا الحكم أيضاً. والمورد الوحيد الذي يجب فيه السكوت أو يكون حكم السكوت فيه واجباً، هو في صلاة الجماعه، إذ على المأموم أن يسكت ويستمع لقراءة الإمام، حتى أنّ جمعاً من الفقهاء قالوا: إنّ هذه الآية تدل على سقوط الحمد والسورة من قبل المأموم "عند صلاه الجماعة". ومن جملة الرّوايات الدالة على هذا الحكم ما روي من حديث عن الإِمام الباقر (عليه السلام) "وإذا قرىء القرآن في الفريضة خلف الإِمام فاستمعوا له وانصتوا لعلّكم تُرحمون" (3). وأمّا استعمال "لعل" في هذه الجملة، فهو - كما أشرنا سابقاً - لغرض أن تشملكم رحمة الله، فمجرّد السكوت غير كاف، بل توجد أمور أُخرى منها العمل بالآي أيضاً. ولا بأس أن نذكر الملاحظة التي بيّنها الفقيه المعروف الفاضل المقداد السيوري في كتابه "كنز العرفان" إذ فسّر الآية تفسيراً آخر فقال: إنّ المراد من الآية هو الإِصغاء للآيات وإدراك مفاهيمها والإِذعان لإعجازها. ولعل هذا التّفسير كان بسبب أنّ الآية السابقة كانت تتكلم عن المشركين، إذ كانوا يتذرعون بحجج واهية في شأن نزول القرآن، فالقرآن يقول لهم: (فاستمعوا وانصتوا لعلكم تعرفون الحق) (4). وليس هناك مانع من أن نعتبر مفهوم الآية واسعاً بحيث يشمل جميع الكفار والمسلمين، فغير المسلمين عليه أن يستمع وينصت للقرآن ويفكر فيه حتى يؤمن فينال رحمة ربّه، والمسلم عليه أن يستمع ويدرك مفهوم الآي ويعمل به لينال رحمة ربّه، لأنّ القرآن كتاب إيمان وعلم وعمل للجميع، لا لطائفة خاصّة أو فريق معين. ﴿وَإِذَا قُرِىءَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ روي أنه في الفريضة خلف الإمام وقيل بوجوب الإستماع والإنصات مطلقا تعظيما للقرآن.