لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
سبب النزول ورد عن ابن عباس أنّ النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عيّن في يوم معركة بدر جوائز للمقاتلين المسلمين ترغيباً، كأنّ يقول (صلى الله عليه وآله وسلم) مثلا: من جاءني بفلان من الأعداء أسيراً فله عندي كذا "جائزة". وكان هذا الترغيب - إضافة إلى اِيقاده روح الإِيمان والجهاد في وجودهم - مدعاة أن يثب المقاتلون الفتية في تسابق "افتخاري" نحو الهدف. إلاّ أنّ الكهول والشيوخ ظلّوا ثابتين تحت ظلال الرايات، فلمّا إنتهت معركة بدر أسرع المقاتلون الفتيان لأخذ الجوائز من النّبي، إلاّ أنّ الشيوخ وكبار السنّ قالوا: إنّ لنا نصيباً أيضاً، لأنّنا كنّا سنداً وظهيراً لكم، ولو اشتدّ بكم الأمر لرجعتم إلينا حتماً. واحتدم النقاش حينئذ بين رجلين من الأنصار في شأن غنائم المعركة. فنزلت الآية - محل البحث - وقالت بصراحة: إنّ الغنائم هي للنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، فله أن يتصرّف فيها ما يشاء. فقسّمها النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بين المسلمين بالتساوي، وأمر أن يصطلح الإخوة المسلمون فيما بينهم. التّفسير إنّ الآية - محل البحث - كما قرأنا في سبب النزول:، نزلت بعد معركة بدر وتتكلم على غنائم الحرب وتبيّن حكماً إسلامياً واسعاً بشكل عام، فتخاطب النّبي بالقول: (يسألونك عن الأنفال قلِّ الأنفال للّه والرّسول!). فبناءً على ذلك (فاتقوا الله واصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إنّ كنتم مؤمنين). أي أنّ الإِيمان ليس بالكلام فحسب، بل هو الطاعة لله والرّسول دون قيد أو شرط وفي جميع مسائل الحياة لا في غنائم الحرب وحدها. ماهي الأنفال؟ الأنفال في الأصل مأخوذة من مادة "نفل" على زنة "نفع" ومعناها الزيادة، وإنما سمّيت الصلوات المستحبة نافلة لأنّها زيادة على الصلوات الواجبة، وكذلك يُطلَق على الحفيد نافلة لأنّه زيادة في الأبناء. ويطلق لفظ "نوفل" على من يهب المزيد من العطاء. وإنّما سمّيت غنائم الحرب أنفالا أيضاً لأنّها كمية من الأموال الإِضافية التي تبقى دون صاحب، وتقع في أيدي المقاتلين دون أن يكون لها مالك خاص. أو لأنّ المقاتلين إنّما يحاربون للإِنتصار على العدو لا للغنائم، فالغنيمة أو الغنائم موضوع إضافي يقع في أيديهم. ملاحظات 1 - بالرّغم من أنّ الآية محل البحث نازلة في شأن غنائم الحرب، إلاّ أنّ لمفهومها حكماً كلّياً وعامّاً، وهي تشمل جميع الأموال الإِضافية التي ليس لها مالك خاص. لهذا ورد في الرّوايات عن أهل البيت (عليهم السلام) أنّ الأنفال لها مفهوم واسع، إذ نقرأ في بعض الرّوايات المعتبرة عن الإِمامين "الباقر والصادق (عليهما السلام) " مايلي: "إنّها ما أخذ من دار الحرب من غير قتال، كالذي إنجلى عنها أهلها وهو المسمّى فيئاً، وميراث من لا وارث له، وقطائع الملوك إذا لم تكن مغصوبة والآجام وبطون الأدوية والموات، فإنّها لله ولرسوله، وبعده لمن قام مقامه يصرفه حيث يشاء من مصالحه ومصالح عياله" (1). وبالرّغم من أنّ الحديث - أنف الذكر - لم يتحدّث عن جميع غنائم الحرب، إلاّ أنّنا نقرأ حديثاً آخر عن الإِمام الصادق (عليه السلام) يقول فيه: "إنّ غنائم بدر كانت للنّبي خاصّة فقسمها بينهم تفضلا منه" (2). ونستنتج ممّا ذكر آنفاً أنّ مفهوم الأنفال أساساً لا يقتصر على غنائم الحرب فحسب، بل يشمل جميع الأموال التي ليس لها مالك خاص، وهذه الأموال جميعها لله وللرسول ولمن يلي أمره ويخلفه، وبتعبير آخر: إنّ هذه الأموال للحكومة الإِسلاميّة، وتصرف في منافع المسلمين العامّة. غاية ما في الأمر أنّ قانون الإِسلام في غنائم الحرب والأموال المنقولة التي تقع في أيدي المقاتلين المسلمين عند القتال - كما سنفصل ذلك في هذه السورة - مبنيّ على أن يُعطى أربعةُ أخماسها - ترغيباً - للمقاتلين المسلمين وتعويضاً عن أتعابهم، ويصرف خمسها في المصارف التي أشارت إليها الآية (41) من هذه السورة. وعلى هذا الأساس فإنّ الغنائم داخلة في مفهوم الأنفال العام، وهي في الأصل ملك الحكومة الإِسلامية، وإعطاء أربعة أخماسها للمقاتلين عطية وتفضل منها. 2 - قد يُتصور أنّ الآية محل البحث "بناءً على شمولها غنائم الحرب أيضاً" تتنافى والآية 41 من هذه السورة التي تقول: (واعلموا أنّ ما غنمتم من شيء فإنّ لله خمسه وللرسول) وسائر المصارف. لأنّ مفهومها أنّ أربعة الأخماس الباقية هي للمقاتلين المسلمين. إلاّ أنّه مع ملاحظة ما ذكرناه آنفاً يتّضح أنّ غنائم الحرب في الأصل كلها لله وللرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وإعطاء أربعة أخماسها للمقاتلين نوع من التفضل والهديّة، وبتعبير آخر: إنّ الحكومة الإِسلامية تهب أربعة الأخماس من حقها إلى المجاهدين، فلا يبقى عندئذ أي تناف بين الآيتين. ويتّضح أيضاً أن آية الخمس لا تنسخ أية الأنفال، - كما تصوّر ذلك بعض المفسّرين - بل كلُّ منهما باق على قوّتِه! 3 - كما قرأنا في شأن النّزول آنفاً، أنّ مشاجرةً وقعت بين بعض الأنصار في شأن غنائم الحرب، وقطعاً لهذه المشاجرة فقد نفت الآية أن تكون الغنائم لغير الله والرّسول ثمّ أمرت المسلمين بإصلاح ذات البين. وأساساً فإنّ إصلاح ذات البين وإيجاد التفاهم وقلع الكدروالبغضاء من صدور المسلمين، وتبديل كل ذلك بالمحبّة، يعدّ من أهم الاغراض الإِسلامية. وكلمة "ذات" تعني الخلقة والبنية وأساس الشيء، والبين يعني حالة الإِرتباط والعلاقة بين شخصين أو شيئين. فبناءً على هذا فإنّ إصلاح ذات البين يعني إصلاح أساس الإِرتباطات، وتقوية العلاقات وتحكيمها، وإزالة عوامل التفرقة والنفاق. وقد أولت التعاليم الإِسلامية عناية فائقة لهذا الموضوع حتى عدته من أفضل العبادات. يقول أميرالمؤمنين علي (عليه السلام) في آخر وصاياه - عندما عممه ابن ملجم بالسيف - لولديه "إنّي سمعت جدّكما رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: إصلاح ذات البين أفضل من عامّة الصلاة والصيام" (3). وجاء عن الإمام الصادق (صلى الله عليه وآله وسلم) في كتاب الكافي أنّه قال: "صَدَقَةٌ يُحبُّها اللهُ إِصْلاحُ بَيْنَ النَّاسِ إِذا تَفَاسَدُوا، وتَقارُبٌ بَيْنَهُمْ إذا تَبَاعَدُوا" (4). كما ورد عنه (عليه السلام) في الكتاب آنف الذكر ذاته أنّه قال للمفضل: "إذا رأيت بين اثنين من شيعتنا منازعة فاقتدِها من مالي" (5). ولهذا نقرأ في بعض الرّوايات عن أبي حنيفة سابق الحاجّ قال: مرَّ بنا المفضّل وأنا وختني نتشاجر في ميراث، فوقف علينا ساعة ثمّ قال لنا: تعالوا إلى المنزل فأتيناه فأصلح بيننا بأربعمائة درهم فدفعها إلينا من عنده حتّى إذا استوثق كلّ واحد منّا من صاحبه، قال أمّا إنّها ليست من مالي ولكن أبو عبدالله (عليه السلام) أمرني إذا تنازع رجلان من أصحابنا في شيء أن اُصلح بينهما وأفتديها من ماله، فهذا من مال أبي عبدالله (عليه السلام) (6). والسبب في كل هذا التأكيد في المسائل الإجتماعية يتجلى بقليل من التأمل، لأنّ عظمة الأُمّة وقدرتها وعزّتها لا يمكن تحقيقه إلاّ في ظل التفاهم والتعاون. فإذا لم يتمّ إصلاح ذات البين، ولم تطوِ الخلافات الصغيرة والمشاجرات، تنفذ جذور العداوة والبغضاء في القلوب تدريجاً، وتتحول الأُمّة القوية المتحدة إلى جماعات متفرقة متناحرة، وتضعف أمام الأعداء والحوادث، كما يحدق الخطر بالمسائل العبادية في مثل هذه الأُمّة من صلاة وصيام، وحتى بحيثية القرآن و (موجوديته). ولذلك فقد أوجبت الشريعة الإِسلامية إصلاح ذات البين في بعض مراحله، وجازت الإِنفاق من بيت المال لتحقق هذا الأمر، وندبت إلى ذلك في مراحله الأُخرى التي لا تتعلق بمصير المسلمين مباشرة، وعدت ذلك مستحباً مؤكّداً... . ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ﴾ عن حكمها وهي كل ما أخذ من دار الحرب بغير قتال، وكل أرض لا رب لها، والمعادن والآجام وبطون الأودية وقطائع الملوك، وميراث من لا وارث له وقرىء يسألونك الأنفال أي أن تعطيهم ﴿قُلِ الأَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ﴾ يختص بهما وجعله الرسول لمن قام مقامه من بعده ﴿فَاتَّقُواْ اللّهَ﴾ في الاختلاف والخلاف ﴿وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ﴾ الحال التي بينكم أو حقيقة وصلكم بالمواصلة وترك الشقاق ﴿وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ﴾ في أوامرهما ونواهيهما ﴿إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ كاملي الإيمان.