التّفسير
الفرار من الجهاد ممنوع!
كما ذكرنا في تفسير الآيات السابقة، فإنّ الحديث عن قصّة معركة بدر وألطاف الله الكثيرة على المسلمين الأوائل من أجل أن يتّخذ منه المسلمين العبرة والدرس في المستقبل، لذلك فإنّ هذه الآيات توجه خطابها للمؤمنين وتأمرهم أمراً عاماً بالقتال: (يا آيّها الذين آمنوا إِذ لقيتم الذين كفروا زحفاً فلا تولّوهم الأدبار).
و (لقيتم) من مادة (اللقاء) بمعنى الإِجتماع والمواجهة، وتأتي في أكثر أحيان بمعنى المواجهة في ميدان الحرب.
و (الزّحف) في الأصل بمعنى الحركة إِلى أمر ما بحيث تسحب الأقدام على الأرض كحركة الطفل قبل قدرته على المشي، أو الإِبل المرهقة التي تخط أقدامها على الأرض أثناء سيرها، ويطلق على الجيش الجرار الذي يشاهد من بعيد وكأنّه يحفر الأرض أثناء مسيره.
واستخدام كلمة (زحف) - في الآية آنفاً - تشير إِلى أنّه بالرغم من أنّ عدوكم قوي وكثير، وأنتم قليلون، فلا ينبغي لكم الفرار من ساحة الحرب، وكما كان عدوكم كثيراً في ميدان بدر فثبتّم وانتصرتم.
فالفرار من الحرب يعدّ في الإِسلام من كبائر الذنوب، إلاّ أنّ ذلك مرتبط - كما نبيّن بعض الآيات - بكون الأعداء ضِعفي عدد المسلمين، وسنبحث هذا الأمر بعون الله في الآيتين (65) و (66) من هذه السورة.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً﴾ متدانين لقتالكم كأنهم لكثرتهم يزحفون أو يدنون إليكم وتدنون إليهم ﴿فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ﴾ منهزمين.