لا يوجد اتصال بالانترنت !
ستتم اعادة المحاولة بعد 10 ثواني ...
جاري التحميل ...
سبب النزول ذكر المفسّرون والمحدثون أن الآية - محل البحث - تشير إِلى الحوادث التي أدت إِلى هجرة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) من مكّة إِلى المدينة. هذه الحوادث وإن رويت بعبارات مختلفة إلاّ أنّها تتفق جميعاً على حقيقة أنّ الله عزّ وجلّ قد أنقذ نبيّه الكريم عن طريق الإِعجاز من خطر محدق به، ونروي هذه الحادثة وفقاً لمّا ورت في الدّر المنثور ومجمع البيان ذيل الآية آنفاً.... قال المفسّرون: إنّها نزلت في شأن "دار النّدوة" وذلك أنّ نفراً من قريش اجتمعوا فيها وهي دار قصيّ بن كلاب، وتآمروا في أمر النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال عروة بن هشام: نتربص به ريب المنون، وقال أبوا البختري: أخرجوه عنكم تستريحوا من أذاه، وقال أبوجهل: ما هذا برأي، ولكن اُقتلوه بأن يجتمع عليه من كل بطن رجل فيضربوه بأسيافهم ضربة رجل واحد... فيرضى بنو هاشم حينئذ بالديّة، فصوّب إبليس هذا الرأي، وكان قد جاءهم في صورة شيخ كبير من أهل نجد، وخطّأ الأولّين. فاتفقوا على هذا الرأي وأعدّو الرجال والسلاح وجاء جبرئيل (عليه السلام) فأخبر النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فخرج إلى الغار وأمَر عليّاً فبات على فراشه، فلمّا أصبحوا وفتشوا عن الفراش، وجدوا عليّاً (عليه السلام) وقد ردّ الله مكرهم فقالوا: أين محمّد؟ فقال: لا أدري، فاقتصّوا أثره وأرسلوا في طلبه، فلمّا بلغوا الجبل ومرّوا بالغار رأوا على بابه نسجَ العنكبوت، فقالوا: لو كان ها هنا لم يكن نسج العنكبوت على بابه فمكث فيه ثلاثاً ثمّ قدم المدينة" (1). التّفسير سِرّ بداية الهِجرَة: يعتقد بعض المفسّرين أنّ هذه الآية، وخمس آيات تليها، نزلت في مكّة لأنّها تشير إِلى هجرة النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولكن سياقها يدل على نزولها بعد الهجرة، إذ تتكلم على حادثة سابقة. فبناءً على ذلك تكون هذه الآية قد نزلت في المدينة بالرغم من حديثها عن هجرة النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فتحدث عن الذكرى الكبرى والنعمة العظمى التي منّ الله بها على النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والمسلمين، فتقول في بدايتها (وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك). كلمة "المكر" كما ذكرنا سلفاً تعني في اللغة التدبير والتخطيط والحيلة. ثمّ تضيفُ الآية قائلة: (ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين). فإذا أمعنّا النظر في موضوع هجرة النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فإنّنا سنجد أنّ المشركين قد بذلوا كل ما في وسعهم وجهدهم من طاقات فكرية وجسدية للقضاء على نبيّ الاسلام (صلى الله عليه وآله وسلم)، حتى أنّهم أعدّوا جائزة لهذا الغرض وهي مئة ناقة، وهذا العدد من الإِبل كانَ يُعَدُّ ثروة كبرى يومئذ "هذه الجائزة لكلّ من يقبض على النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى بعد أن خرج عن قبضتهم" وقد طفق الكثير يجوبون الفيافي والجبال ليبحثوا عنه طلباً لتلك الجائزة الكبرى حتى بلغوا الغار، ولكن الله سبحانه أذهب بأتعابهم أدراج الرياح بواسطة نسيج العنكبوت! ونظراً إِلى أنّ هجرة النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تمثل مرحلة جديدة في التأريخ الإِسلامي، بل التأريخ الإِنساني، فإنّنا نستنتج أنّ الله قد غير مسيرة التأريخ البشري بما نسجته العنكبوت من خيوط!... وهذا الأمر لا ينحصر بهجرة النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، بل في جميع تأريخ الأنبياء، فإنّ الله سبحانه أذل أعداءهم ودمرهم وأباد قوى الضلال بأسباب هيّنة كالريح - مثلا - أو كثرة البعوض، أو الطير الصغيرة التي تُسمّى بالأبابيل، ليبيّن حالة الضعف البشري والعجز إزاء قدرته اللامتناهية وليردع الإِنسان عن التفكير بالطغيان والعناد. وممّا يسترعي النظر أنّ الإِلتجاء إِلى هذه الأساليب الثّلاثة: السجن والنفي والقتل، لم يكن منحصراً بالمشركين في مواجهة النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فحسب، فإنّ الطغاة يلجأون إِلى هذه الإساليب الثّلاثة دائماً للقضاء على المصلحين وإسكاتهم، والحيلولة دون بسط نفوذهم بين المستضعفين، إلاّ أنّه كما كانت النتيجة خلاف ما أراده مشركو مكّة في شأن النّبي وأضحت مقدمة لتحرك إسلامي جديد، فكذلك مثل هذه الموجهات الشديدة قد باءت نتائجها في مواطن أُخرى بعكس ما كان متوقعاً. (2) ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ﴾ واذكر إذ يحتالون بمكة في أمرك ﴿لِيُثْبِتُوكَ﴾ ليحبسوك ﴿أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ﴾ من مكة ﴿وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ﴾ بمجازاتهم بمكرهم أورده عليهم أو بمعاملتهم معاملة الماكر بهم بمبيت علي (عليه السلام) في الفراش حين أخرجوك إلى الغار ﴿وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ أعلمهم بالتدبير.