التّفسير
ستة أوامر أُخرى في شأن الجهاد:
قال المفسّرون: إنّ أباسفيان بعدما استطاع النجاة بقافلة قريش التجارية من مواجهة المسلمين، أرسل مبعوثاً إِلى قريش الذاهبين إِلى ساحة بدر ودعاهم إِلى العودة، لأنّه رأى أن لا حاجة إِلى القتال، لكن أبا جهل هذا المغرور والمتعصب والمتكبر أقسم أن لا يرجعوا حتى يبلغوا أرض بدر "وكانت بدر قبل هذه المعركة من مراكز إجتماع العرب، وتقام فيها سوق تجارية كل عام" ويمكثوا فيها ثلاثة أيّام، وينحروا الإِبل ويأكلون ما يشتهون ويشربون الخمر، وتغني لهم المغنيّات، حتى يسمع جميع العرب بهم وتثبت بذلك قوتهم وقدرتهم!... لكن أمرهم آل إِلى الهزيمة فشربوا كؤوس المنايا المترعة بدلا من كؤوس الخمر، وجلست المغنيات ينُحن على جنائزهم!!
والآيات محل البحث تشير إِلى هذا الموضوع، وتنهى المسلمين عن مثل هذه الأعمال، وتضع لهم تعاليم جديدة في شأن الجهاد إضافة إِلى ما سبق من هذه الأُمور.
وبصورة عاملة فإنّ في الآيات محل البحث ستة أوامر للمسلمين هي:
1 - أنّها تقول أوّلا: (يا أيّها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا) أي أن إحدى علائم الإِيمان هي ثبات القدم في جميع الأحوال، وخاصّة في مواجهة الأعداء.
2 - (واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون).
ولا ريب أنّ المراد من ذكر الله هنا ليس هو الذكر اللفظي فحسب، بل حضور القلب، وذكر عِلمه تعالى وقدرته غير المحدودة ورحمته الواسعة، فهذا التوجه إِلى الله يقوّي من عزيمة الجنود المجاهدين، ويُشعر الجندي بأنّ سنداً قويّاً لا تستطيع أية قدرة في الوجود أن تتغلب عليه يدعمهُ في ساحة القتال.
وإذا قُتل فسينال السعادة الكبرى ويبلغ الشهادة العظمى، وجوار رحمة الله، فذكر الله يبعث على الإِطمئنان والقوّة والقدرة والثبات في نفسه.
بالإِضافة إِلى ذلك، فذكر الله وحبّه يخرجان حبّ الزوجة والمال، والأولاد من قلبه، فإنّ التوجه إِلى الله يزيل من القلب كل ما يضعفه ويزلزله، كما يقول الإِمام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام) في دعائه المعروف - في الصحيفة السجادية - بدعاء أهل الثغور: "وأنسهم عند لقائهم العدوّ ذكر دنياهم الخدّاعة، وامحُ عن قلوبهم خطرات المال الفتون، واجعل الجنّة نصبَ أعينهم".
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً﴾ قابلتم جماعة كافرة ﴿فَاثْبُتُواْ﴾ لقتالهم ولا تنهزموا ﴿وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيرًا﴾ مستعينين بذكره ودعائه على قتالهم ﴿لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ﴾ تظفرون بالنصر والثواب.