وتقول الآية الأُخرى: (الذين عاهدت منهم ثمّ ينقضون عهدهم في كل مرّة) (1).
والمغروض أن يراعوا الحياد على الأقل فلا يكونوا بصدد الاضرار بالمسلمين وإعانة الأعداء عليهم.
فلاهم يخافون الله تعالى، ولا يحذرون من مخالفة أوامره، ولا يراعون القواعد والاصول الانسانية: (وهم لا يتقون).
والتعبير ب- "ينقضون" و"لا يتقون" وهما فعلان مضارعان، هذا التعبير بهما يدلّ على الإِستمرار، كما أنّه يدل على أنّهم قد نقضُوا عهودهم مراراً. (2)
والآية بعدها توضح كيفية أُسلوب مواجهة هؤلاء فتقول: (فإِمّا تثقفنّهم في الحرب فشرّد بهم مَن خلفهم) أي قاتلهم بشكل مدمّر بحيث أن الطوائف القابعة خلفهم لإمدادهم يعتبروا بذلك ويتفرقوا عنهم.
وكلمة "تثقفنهم" مأخوذة من مادة "الثقف" على زنة "السقف" بمعنى بلوغ الشيء بدقة وسرعة، وهي إشارة إِلى وجوب التنبه والإِطلاع السريع والدقيق على قراراتهم، والاستعداد لإنزال ضربة قاصمة لها وقع الصاعقة عليهم قبل أن يفاجئوك بالهجوم.
وكلمة "شرّد" مأخوذة من مادة "التشريد" وهي بمعنى التفريق المقرون بالإِضطراب فينبغي أن يكون الهجوم عليهم بشكل تتفرق معه المجموعات الأُخرى من الأعداء وناقضي العهود، ولا يفكروا بالهجوم عليكم.
وهذا الأمر إنّما صدر ليعتبر به الأعداء الآخرون، بل حتى الأعداء في المستقبل أيضاً ويتجنبوا الحرب مع المسلمين، وليتجنب نقض العهد - كذلك - الذين لهم عهود مع المسلمين، أو الذين سيعاهدونهم مستقبلا (لعلهم يذكّرون).
﴿الَّذِينَ عَاهَدتَّ مِنْهُمْ فِي الْحَرْبِ﴾ بدل بعض من الذين كفروا وعدي بمن لتضمين المعاهدة معنى الأخذ ﴿ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ﴾ عاهدوا فيها وهم قريظة عاهدهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أن لا يعينوا المشركين عليه بالسلاح فأعانوهم وقالوا نسينا ثم عاهدهم فأعانوهم يوم الخندق ﴿وَهُمْ لاَ يَتَّقُونَ﴾ الله في نقض العهد.