التّفسير
أربع طوائف مختلفة:
تبحث هذه الآيات التي تُختتم بها سورة الأنفال - وتُعدّ آخر فصل من فصولها - عن طوائف المهاجرين والأنصار والطوائف الأُخرى من المسلمين وبيان قيمة هؤلاء جميعاً، فتعطي كل طائفة قيمة، وتستكمل ما تناولته الآيات السابقة في شأن الجهاد والمجاهدين.
وبتعبير آخر: إنّ هذه الآيات عالجت نظام المجتمع الإِسلامي من حيث العلائق المختلفة، لأنّ خطة الحرب وخطة الصلح كسائر الخطط والمناهج العامّة، لا يمكن أن يتمّ أيّ منها دون تكوين علاقة إجتماعية صحيحة، وأخذها بنظر الإِعتبار.
وقد تناولت هذه الآيات خمس طوائف، أربع منها من المسلمين، وواحدة من غير المسلمين، والطوائف الأربع هي:
1 - المهاجرون السابقون.
2 - الأنصار في المدينة.
3 - المؤمنون الذين لم يهاجروا.
4 - الذين آمنوا من بعدُ وهاجروا.
فتقول الآية الأُولى من الآيات محل البحث (إنّ الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أُولئك بعضهم أولياء بعض).
فقد أُشير في هذا القسم من الآية إِلى الطائفتين، الأُولى والثّانية المهاجرون، والأنصار أي الذين آمنوا في مكّة ثمّ هاجروا منها إِلى المدينة، والذين آمنوا في المدينة ثمّ آزروا النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ونصروه ودافعوا عنه وعن المهاجرين، وقد وصفتهم الآية بأنّهم بعضهم أولياء بعض، وبعضهم حماة بعض.
والذي يسترعي النظر أنّ الآية وصفت الطائفة الأُولى بأربع صفات هي: الإِيمان، والهجرة والجهاد المالي والإِقتصادي "وذلك عن طريق الإِعراض عن أموالهم في مكّة، وما بذلوه من أموال في غزوة بدر"، والصفة الرّابعة جهادهم بأنفسهم ودمائهم وأرواحهم.
أمّا الأنصار فقد وصفتهم الآية بصفتين هما: الإِيواء، والنصرة.
وقد جعلت هذه الآية الجميع مسؤولين بعضهم عن بعض، ويتعهد كلّ بصاحبه بقولها (بعضهم أولياء بعض).
فهاتان الطائفتان - في الحقيقة - كانتا تمثلان مجموعتين متلازمتين لا يمكن لأحدهما الإِستغناء عن الأخرى، إذ منهما يتكون نسيج المجتمع الإِسلامي، فهما بمثابة "المغزل والخيط".
ثمّ تشير الآية إِلى الطائفة الثّالثة فتقول: (والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتّى يهاجروا).
ثمّ استثنت في الجملة التي بعدها مسؤولية واحدة فحسب، وأثبتتها في شأن هذه الطائفة، فقالت: (وان استنصروكم في الدين فعليكم النصر... إلاّ على قوم بينكم وبينهم ميثاق).
وبتعبير آخر: يلزم الدفاع عن أُولئك في صورة ما لو أصبحوا قبال عدوّ مشترك، أمّا إذا واجهوا كفاراً بينكم وبينهم عهد وميثاق، فإنّه يجب الوفاء بالعهد والميثاق، وهي مقدمة على الدفاع في هذه الصورة.
وحضّت الآية على رعاية العهود والمواثيق والدقة في أداء هذه المسؤولية، ومنبهة إِلى علم الله بكل الأمور، فقالت: (والله بما تعملون بصير).
فهو يرى جميع أعمالكم ويطلع على ما تفعلون من جهاد، أو أداء للوظيفة الملقاة على عاتقكم، أو إحساس بالمسؤولية، كما يعلم بمن لم يعتنِ بالأمر، وكذلك بالوهن والضعف وعدم الإِحساس بالمسؤولية إزاء هذه الوظائف الكبيرة.
﴿وَالَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ﴾ في النصرة أو الميراث ومفهومه نفي الولاية بينهم وبين المؤمنين ﴿إِلاَّ تَفْعَلُوهُ﴾ أي تولى بعضكم بعضا أيها المؤمنون وقطع الكفار ﴿تَكُن﴾ تحصل ﴿فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ﴾ قوة الكفر ﴿وَفَسَادٌ كَبِيرٌ﴾ ضعف الإسلام.