الآية التّالية تقول: (وتمّت كلمة ربّك صدقاً وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم).
"الكلمة" بمعنى القول، وتطلق على كل جملة وكل كلام مطولا كان أم موجزاً، وقد تطلق على الوعد، كما في الآية: (وتمّت كلمة ربّك على بني إِسرائيل بما صبروا) (2)، لأنّ الشخص عندما يعد يتلفظ ببعض الكلمات المتضمنة لمفهوم الوعد.
وقد تأتي بمعنى الدين والحكم والأمر للسبب نفسه.
أمّا بالنسبة لإستعمالها في هذه الآية فقيل إِنّها تعني القرآن، وقيل إِنّها دين الله، وقيل: وعد النصر الذي وعد الله نبيّه (ص).
وليس بين هذه تعارض، فقد تكون الآية أرادت هذه المعاني جميعاً، ولأنّ الآيات السابقة كانت تشير إِلى القرآن، فتفسير الكلمة بالقرآن أقرب.
فيكون معنى الآية إِذن: إِنّ القرآن ليس موضع شك بأيّ شكل من الأشكال، فهو كامل من جميع الجهات ولا عيب فيه، وكل أخباره وما فيه من تواريخ صدق، وكل أحكامه وقوانينه عدل.
وربّما يكون معنى "كلمة" هنا هو الوعد الذي جاء في العبارة التّالية (لا مبدل لكلماته) إذ يتكرر هذا التعبير في القرآن الكريم كقوله تعالى: (وتمّت كلمة ربّك لأملأن جهنّم من الجنّة والناس أجمعين) (3) وقوله سبحانه (ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إِنّهم لهم المنصورون) (4)، في أمثال هذه الآيات تكون الآية التّالية بياناً للوعد الذي ورد من قبل تحت لفظة "كلمة".
وعلى ذلك يكون معنى الآية: لقد تحقق وعدنا بالصدق وبالعدل، وهو أنّه ليس لأحد القدرة على تبديل أحكام الله.
وقد تتضمن الآية كل هذه المعاني.
وإِذا كانت الآية تعني القرآن، فذلك لا يتعارض مع كون القرآن لم يكن قد إِكتمل نزوله حينذاك، إِذ المقصود هو أن ما نزل منه كان متكاملا ولا عيب فيه.
ويستند بعض المفسّرين إِلى هذه الآية لاثبات عدم تحريف القرآن، لأنّ تعبير (لا مبدل لكلماته) تعني أنّ أحداً لا يستطيع أن يحدث في القرآن تبديلا أو تغييراً، لا في لفظه، ولا في إِخباره، ولا في أحكامه، وأنّ هذا الكتاب السماوي الذي يجب أن يبقى حتى نهاية العالم هادياً للناس سيبقى محفوظاً ومصوناً من أغراض الخائنين والمحرفين.
﴿وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ﴾ أخباره وأحكامه ووحدها الكوفيون أي ما تكلم به أو القرآن ﴿صِدْقًا﴾ في الأخبار حال أو تمييز وكذا ﴿وَعَدْلاً﴾ في الأحكام ﴿لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ﴾ بخلف أو نقض أو لا أحد يبدلهما بما هو أصدق وأعدل ﴿وَهُوَ السَّمِيعُ﴾ لأقوالهم ﴿الْعَلِيمُ﴾ بأعمالهم.