سبب النّزول
يقول العلاّمة الطّبرسي في "مجمع البيان": نزلت هذه الآية بشأن "الوليد بن المغيرة" (الذي كان من زعماء عبدة الأصنام دماغهم المفكر) كان هذا يقول لرسول الله (ص) : إِذا كانت النّبوة حقّاً، فأنا أولى منك بها لكبر سني ولكثرة مالي.
وقيل: إِنّها نزلت بشأن "أبي جهل" لأنّه كان يقول: مقام النّبوة يجب أن يكون موضع تنافس، فنحن وبنو عبد مناف (قبيلة رسول الله) كنّا نتنافس على كل شيء، ونجري كفرسي رهان كتفاً لكتف، حتى قالوا: إِنّ نبياً قام فيهم، وأنّه ينزل عليه الوحي فنحن لا نؤمن به إِلاّ إِذا نزل علينا الوحي كما ينزل عليه.
التّفسير
الله أعلم حيث يجعل رسالته:
تشير هذه الآية بإِيجاز إلى طريقة تفكير هؤلاء الأكابر (أكابر مجرميها) وإِلى مزاعمهم المضحكة الباطلة، فتقول: (وإِذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أُوتي رسل الله) كأنّ الوصول إِلى مقام النبوة وهداية الناس يعتمد على سن الشخص وماله، أو هو ميدان للمنافسة الصبيانية بين القبائل! وكأنّ على الله أن يراعي هذه الأُمور المضحكة الباطلة التي لا تدل إِلاّ على منتهى الإِنحطاط الفكري وعدم إِدراك معنى النبوة وقيادة الخليقة!
إِنّ القرآن يرد على هؤلاء بوضوح قائلا: (الله أعلم حيث يجعل رسالته).
بديهي أنّ الرسالة لا علاقة لها بالسن ولا بالمال ولا بمراكز القبائل، لأنّ شرطها الأوّل هو الإِستعداد الروحي، وطهارة الضمير، والسجايا الإِنسانية الأصيلة، والفكر السامي، والرأي السديد ثمّ التقوى إِلى درجة العصمة... إِنّ هذه الصفات، وخصوصاً الإِستعداد لمقام العصمة لا يعلم بها غير الله، فما أبعد الفرق بين هذه الشروط وما كان يدور بخلد أُولئك.
كما إِنّ من يخلف رسول الله (ص) لابدّ أن تكون له جميع تلك الصفات عدا الوحي والتشريع، أي أنّه حامي الشرع والشريعة، والحارس على قوانين الإِسلام، والقائد المادي والمعنوي للناس، لذلك لابدّ له أن يكون معصوماً عن الخطأ والإِثم، لكي يكون قادراً على أن يوصل الرسالة إِلى أهدافها، وأن يكون قائداً مطاعاً وقدوة يعتمد عليها.
وبناءاً على ذلك، يكون إِختياره من الله أيضاً، فهو وحده الذي يعلم أين يضع هذا المقام، فلا يمكن أن يترك ذلك للناس ولا للإِنتخابات والشورى.
وفي النهاية تشير الآية إِلى المصير الذي ينتظر أمثال هؤلاء المجرمين والزّعماء الذين يدعون الباطل، فتقول: (سيصيب الذين أجرموا صغار عند الله وعذاب شديد بما كانوا يمكرون) (1).
كان هؤلاء الأنانيون بمواقفهم العدائية يريدون أن يحافظوا على مراكبهم، ولكنّ الله سينزلهم إِلى أدنى درجات الصغار والحقارة بحيث إِنّهم سيتعذبون بذلك عذاباً روحياً شديداً، مضافاً إِلى أنّهم سيلاقون العذاب الشديد في الآخرة لأنّ سعيهم على طريق الباطل كان شديداً أيضاً.
﴿ وَإِذَا جَاءتْهُمْ﴾ أي كفار مكة ﴿آيَةٌ﴾ على صدق النبي ﴿قَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللّهِ﴾ قيل قال أبو جهل زاحمنا بني عبد مناف حتى إذا صرنا كفرسي رهان قالوا منا نبي يوحى إليه والله لا نرضى به إلا أن يأتينا وحي كما يأتيه فنزلت ﴿اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ﴾ وقرىء رسالاته ﴿سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُواْ صَغَارٌ﴾ ذل بعد كبرهم ﴿عِندَ اللّهِ﴾ في القيامة ﴿وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُواْ يَمْكُرُونَ﴾ بمكرهم.